والآية المباركة تدل على كمال غبنهم في هذا التبديل حيث بدّلوا أعز الأشياء وأعظمها وخيرها بأخسّها وأقبحها وشرها وفي هذه الحالة كيف يمكن ان يضروا الله تعالى وهو القيوم والعزيز الذي لا يضام والعظيم الذي لا يدانيه احد.
وهذه الآيات تدل على أعظم الحقائق الواقعية التي غفل عنها جميع اهل الباطل ، فان انغماسهم في المادة وغرورهم في الدنيا وتجبرهم على الحق واهله أوجبت أن يظنوا بالله العظيم الظنون الباطلة التي أوقعتهم في المهلكة والشقاء.
الرابع : يدل قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) على حقيقة وهي ان الخير في الدنيا انما هو امر وهمي لا واقع له ، وانما الخير الواقعي الذي لا بد من طلبه والسعي في ابتغائه هو الذي يبينه عزوجل ويحده القرآن الكريم في مواضع متعددة وهو الايمان والتقوى والعمل الصالح الذي يترتب عليه الحياة الطيبة والسعادة العظمى في العقبى قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) النحل ـ ٩٧ وقال تعالى : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) العنكبوت ـ ٦٤ فالخير الذي يظنه الكافرون مما أنعمه الله تعالى عليهم من الأموال والأولاد انما هو في الواقع تسخير إلهي لينساقوا الى حيث لا يبقى لهم حظ وقد سلبهم عن الكمال الواقعي المعد لجميع افراد الإنسان ومن سوء ظنهم انهم اعتبروا ان ذلك الاستدراج لهم من المسارعة لهم في الخيرات ، قال تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) المؤمنون ـ ٥٦ وفي ظنهم انهم يوم القيامة