ابن عطية : قيل : من غير حياة ، أي هم أحياء وبلا أرواح لتصميمهم على الكفر ، وعدم إنابتهم واعتبارهم ، وقيل : أم خلقوا من غير علمه انتهى ، هذا اعتزال أغفله ابن عطية ، فإن الله سبحانه وتعالى لا يفعل شيئا لعلة ولا لغرض.
فإن قلت : أطلق العلة على البارئ جل وعلى ، والمراد (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ) موجد أي من غير خالق ، قلت : لا يصح تسمية البارئ سبحانه علة ، والصحيح أن المعنى من غير خالق ، لأنهم لما عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن وأداموا على تكذبيهم لم يكن تكذيبهم راجعا إلى الرسالة ، بل إلى ما تتوقف عليه ، وهو وجود المرسل ، فرد عليهم ذلك بأنه يلزمهم أن يكونوا خلقوا من غير خالق لذاته ، ولا خالق استقلالا ، ولا خالق لا لغيره ، فنفي الخالق لذاته بقوله (مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) ، واستقلالا بقوله (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) ، أي مستقلون بخلقهم أنفسهم ، والخالق لغيره بقوله (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، أي ألم يخلقهم أحد بل أخلقوا أنفسهم ، قيل : أخلقوا غيرهم ، وقد تقرر أن المتقدمين يجعلون صحة الرسالة متوقفة على وجود المرسل ووحدانيته ، والمتأخرون يجعلونها متوقفة على وجوده فقط ، وهو اختيار الفخر ، والمقترح فيثبتون الوحدانية بالسمع.
وقوله تعالى : (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ).
وقال الشيخ ابن عبد السّلام : إضراب إبطال وأبطل الملزوم بثبوت اللازم ، لأن لازم قولهم أنهم هم الخالقون.
وقال الشيخ ابن عبد السّلام : المعنى أم خلقوا لغير شيء ، ولا تكون من لابتداء الغاية ، لأنهم خلقوا من غير شيء ، لإيجادهم عن العدم.
قوله تعالى : (بَلْ لا يُوقِنُونَ).
إن قلت : اليقين أخص من العلم ، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ، قل لا قيل : لا يفعلون ، فالجواب : فإنما اليقين المراد به : العلم الضروري ، ومعناه من العلم النظري ينبني على مقدمات ضرورية وهو لا يسلب عنهم العلم الضروري ، فأحرى أن ينتفي عنهم العلم النظري بعدم اهتدائهم ، لكونهم في مقام من لا يميز ولا يفعل ، ولو نظروا في أنفسهم ، وفي خلق السماوات والأرض التي إدراكها وحدوثها وتغيرها ضروري لحصل لهم العلم بأن لها خالقا ومحدثا ، وأنه موجود ، فلما تركوا ذلك صاروا كالجاحدين لوجود الصانع ، فجحدوا ما هو معلوم بالضرورة [...] ، لأن دعواهم أنهم هم الخالقون لأنفسهم ، أشنع من دعوى خلقهم أنفسهم نفي الخالق لهم