قوله تعالى : (السَّماءِ فَوْقَهُمْ).
قالوا : فوق إما حال أو ظرف ، ويرد كونها حالا فإن من شرطها الانتقال ، فإن قلت : هي هنا في حكم المنتقلة.
قالوا : في خلق الله تعالى الزرافة يديها أطول من رجليها إنها حال غير منتقلة لكنها في حكم المنتقلة لأنها كانت قابلة لأن تخلق على غير تلك الصفة ، قلت : لا يمكن ذلك هنا لأن السماء من حيث كونها سماء غير قابلة لأن تكون أسفل ، ولا جواب عنه إلا بما قال ابن هشام ، وغيره : من أن الأولى عدم [٦٩ / ٣٣٩] اشتراط الانتقال في الحال ، ويراد أيضا على كونه شرطا أنهم شرطوا في الظرف كونه محلا للفاعل وفعله ، فإذا قلت : جلست فوق زيد ، فالقول فيه محل لك ولجلوسك ، والسماء هنا ليست محلا للناظر بل لنظره فقط ، وجوابه : أن ذلك في الفعل الذي لا يطلب مفعولا ، وأما الفعل الذي يتعدى فقد يكون الظرف محلا لفاعله ، وقد لا يكون ، فإن قلت : قد تقرر في مبادئ العربية أن قول القائل : السماء فوقنا والأرض تحتنا غير مفيد ، فما أفاد قوله تعالى : (فَوْقَهُمْ) ، قلت : هو إشارة إلى تمكن كل واحد منهم من النظر إليها ، وهو أبلغ من قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) لأنهم وبخوا هنا على العدم النظر مع تمكنهم منه في محالهم دون تكلف وسير ، وهذا هو الذي يقوله الأصوليون : إن المعقولات فرع المحسوسات.
قوله تعالى : (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ).
الفخر هنا احتج بها الحكماء القائلون : بأنها ليست قابلة للخرق ، والجواب : أن الآية أفادت إمكان الخرق فيها ، فلذلك احتيج إلى نفيه ، انتهى. فصار أمره أنه بطل استدلالهم بها فقط ، ونحن نقول الآية حجة عليهم لا لهم ، وأفادت أنها قابلة للخرق ، ولو لا ذلك لما احتيج إلى نفي الخرق لأن المحال لا يحتاج إلى نفيه.
فإن قلت : قد ثبت أن للسماء أبوابا ، قلت : لها أبواب تفتح وتغلق وليس فيها خرق لوجه ، وجمع خروق فروج إشارة إلى كثرة الأفلاك التي فوقها والكواكب بحيث لم تصورت ، فما يكفي في رؤيتها خرق وأجد في السماوات بل إشفاقات ، وخروق جملة ليكون تحت كل واحد خرق يظهر منه.
قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ).