قيل العهن الصوف الأحمر ، وقيل [...] ألوانا ، واحتج هؤلاء بقول زهير :
كأن فتات العهن في كل منزل |
|
نزلن به حبّ القنا لم يحطم |
والقنا عنب الثعلب وحبه قبل التحطيم فيه الأصفر والأحمر والأخضر.
ابن عرفة : هو عنب الذئب عندنا ، وقال : لا علم الذات نفت من الشيء ، والعهن الصوف المتنوع المشبه بحب الفتا ، والقنا شجر له حب أحمر شبه ما تفت من العهن الذي يزين به الهودج (١) إذا نزلت بغصون القنا ، وقوله : لم يحطم أراد أنه إذا كسر ظهر له لون غير الحمرة ، وإنما تشتد حمرته ما دام صحيحا.
ابن عرفة : وذكر صاحب فقه اللغة أن البعض لا يصدق إلا على الصوف الملون والمنقوش المتخلخل الأجزاء ، وهو الذي ليست أجزاؤه متراصة ولا ينفصل بعضها من بعض ، فإن فصل موضع شيء هنا وشيء هناك فذاك تفريق لا نفش.
قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ).
ابن عرفة : الفاء إما للاستئناف أو للسبب على وجهين : إما باعتبار الوجوه ، مثل : قاتل زيد فظفر بعدوه ، وإما باعتبار الذكر البعضي ، مثل : نزل بزيد أمر مهول فقتل عدوه ، وسبيت زوجته وسلب ماله ؛ فالأول هنا غير الثاني ؛ لاستحالة كون الشيء سببا في نفسه ، وكذلك هو في هذه الآية ، والموازين إما جمع موزون ، أو جمع ميزان ، فعلى الأول الله زاد الرجحان بخلاف الثاني ، وهل الموزون الصحف أو الثواب المعدة على الأعمال ، وإما على الأعمال أنفسها فيستحيل وزنها ؛ لأنها أغراض قد ذهبت ، قال : وظاهر كلام ابن عطية أن المؤمنين لا بد أن ترجح [٨٣ / ٤١٧] كفة حسناتهم ، لكن من رجحت منهم حسناته على سيئاته لم يدخل النار بوجه ، ومن ساوت حسناته سيئاته اقتص منه بقدر سيئاته ثم يدخل الجنة ، والكفار ترجح سيئاتهم على حسناتهم ، قال : والمشهور عند أهل السنة أنه ميزان بكفين وعمود.
قال ابن عرفة : والآية عندي من حذف التفاؤل أي (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ومرتبه خالية ، (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) فهو في عيشة كارهة وأمه هاوية (٢) ، قال :
__________________
(١) الهودج : الظعينة ، وهي للإبل التي عليها الهوادج كان فيها نساء أو لم يكن ، والظّعينة أيضا المرأة ما دامت في الهودج فإن لم تكن فيه فليست بظعينة.
(٢) أمه هاوية : أي ساقطة في النار ، مستقرة النار. القاموس المحيط مادة : (ه وى) ، لسان العرب (ه وى) ، مختار الصحاح (ه وى).