يدل على أن
النفوس بعد مفارقتها الأجسام لا تنعدم بل تنتقل من حالة إلى حالة إذ لو كانت تنعدم
لما أطلق عليها المفارقة.
قوله تعالى : (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ).
يحتمل أن يريد
عموم المقاربة والزوجة فقط كما هو المراد في قول في المسافر : يمر ببلد فيها أهله
أنه يقيم الصلاة ولا [...] خصص ذلك بالأهل إشارة إلى تكرره عنه.
قوله تعالى : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى).
كان الفقيه أبو
زكريا يحيى بن نوح البقريني يقول : إن ذلك باعتبار الأزمنة ، أي أولى الهلاك في
الدنيا ؛ فأولى لك الهلاك في القبر في زمن البرزخ ، ثم أولى الهلاك يوم القيامة في
الحشر ؛ فأولى لك الهلاك حين دخوله النار ، والأولان قرينتان متعاقبتان فعطفا
بالفاء ، ولما كان بين نزول القبر ويوم القيامة زمنا طويلا بقوله : ثم ، وقيل : هو
لف ونشر ؛ لأنه تقدمت أربعة أمور اثنان فيها في قوله تعالى : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) وهما متباينان فلذلك كرر فيها لا ، والثالث قوله (وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) وهما كالشيء الواحد فلذلك عطفه بالواو فقط ، والرابع (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) فقابلنا بأربع بكل واحدة منها هلاك علتها يخصها ، وعلى
قول ابن حبيب في أن تارك الصلاة كافر يكون تولى فلا صدق ولا صلى شيئا واحدا أي فلا
صدق بالنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم.
قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ).
[.....] على
الظن ليفيد التوبيخ على العلم من باب آخر ولم يذكر الشك ؛ لأن الأغلب في الناس هو
ذلك لا الشك ، والإنسان إما للعهد وهو أبو جهل أو للجليس المطلق فلا يحتاج إلى
التخصيص أو للعموم فيكون مخصوصا.
قوله تعالى : (أَنْ يُتْرَكَ سُدىً).
أن يعمل في
الدنيا من التكاليف ، وفي الآخرة من المجازاة ، قلنا : وفي الآية دليل على أصل ذلك
، وهو جواز الإعادة مع المعجزات الواردة من الرسل واعتبارهم بوقوعها فينتج وجوها ،
ولا يصح أن يكون ذلك على وجوب الإعادة على مذهب الحكماء والمعتزلة القائلين
بالتحسين والتقبيح ، وأن ترك الإنسان سدى قبيح ، ووجه الدليل منها أن خلقه وتطويره
على هذه الحالة ينتج اعتقاد جواز إعادته ، وهذه الآية ليست من أول ما نزل بل إما
نزل بعد [...] المعجزات والإخبار بالرسل بوقوع الإعادة في الدار الآخرة فينتج
القطع بوجوبها شرعا في مذهب أهل السنة لا عقلا.