وفي سورة النحل (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ) [سورة النحل : ٧٩] ، والجواب : أن هذه الآية سيقت للتذكير بالنعمة ، فناسب وصف الرحمة ، وآية النحل سيقت لبيان الألوهية وكمال القدرة والاختراع ، فناسب لفظ الله الدال على الذات المعظمة ، لأنه تقدمها (أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) [سورة النحل : ٧٨] ، وتعقبها بقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [سورة النحل : ٧٩] ، وهذه الآية تدل على وحدانية الصانع من جهة حصر الإمساك فيه ، وجمع الثلاثة المراد به الكثرة فيقال (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ) [سورة النحل : ٧٩] ، لكنه إشارة فكان الأصل أن يعاد عليه ضمير الكثرة فيقال (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ) [سورة النحل : ٧٩] ، لكنه إشارة إلى أن أقل شيء منه يرشد الناظر إليه إلى الاهتداء أو أن الناظر لا ينظر إلا إلى بعضه ، لا إلى كله ، واستدلال الفخر لأهل السنة في أن أعمال العباد مخلوقة لله تعالى ضعيف ، لأن الإمساك ليس من قدرة الطير ، كلا من فعله فلا يخالف فيه أحد ، وإنما من فعله قبض جناحيه وبسطها ، فلو قيل : ما يبسطهن ويقبضهن إلا الرحمن لصح له الاستدلال بها.
قوله تعالى : (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ).
تفسير الفخر بعليم خطأ ، لأن أهل السنة يفرقون بين صفة العلم وصفة البصر ، فإن قلت : المناسب هنا العلم والقدرة لا البصر ، قلت : وجه المناسبة أن الإنسان لا يبصر كل الطير ، وإنما بعضها ، فأشار إلى أن الله تعالى بصير بجميعها ، والمراد بلفظة شيء هنا الموجود ، لأن المعدوم لا يتغير.
قوله تعالى : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ).
المشار إليه هنا مقدار الوجود ، والمعنى أن تكذيبهم بالآيات وعدم الالتفات إليها إما لضلالهم واغترارهم ، وإما لاعتقادهم أن لهم ناصرا ينصرهم ويحميهم من عذاب الله ، فلا انتفى الناصر تعين أن ذلك مجرد مثلا لهم واغترارهم.
قوله تعالى : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ).
لم يقل : هو يرزقكم بالبناء على المضمر ، كما في التي قبلها ، لأن هذا لم يدعه أحد ولا يخالف فيه خلاف الأول ونحوه ، قال ابن هشام في قوله تعالى : (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [سورة النجم : ٤٥] ، فإن قلت : لم قرن هذا بأداة الشرط فقال (إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) ، ولم يقرن الأول بها ، فلم يقل : أم من هذا الذي ينصركم أن لم ينصركم الرحمن ، أولا يذكر الشرط فيهما معا ، فالجواب : أن الرزق لازم لهم لابد لهم منه ، إذ لا قوام لهم دونه ، فإمساكه عنهم مستبعد أو ممتنع ، إذ لا حياة لهم