يفعل ؛ إذ الله سماهم كذبة بما في علمه أنهم يعودون إلى ذلك.
فإذا تقرر عندنا من أحد [ركوب ما كان في](١) عهده وإيمانه أنه [لا] يرتكب يظهر به كذبه.
وذلك خطأ ؛ لما لو كان كذلك لكان الصغائر والكبائر واحدا ، ومن كذب في أمر الصغائر في العهد أو رد يكفر ، ومن ارتكب [الصغيرة](٢) لم يصر كذلك ، فعلى ذلك الكبائر. لكن الآية تخرج على أوجه (٣) :
أحدها : أنها في قوم أرادوا بذلك دفع العذاب لا أن عزموا على ما ذكروا ، دليله فتنتهم بقوله : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣].
والثاني : أنه ذكر كذبهم ، أنطق الله جوارحهم ، فشهدت عليهم بما كتموا من الشرك ، فتمنوا عند ذلك العود والرد.
ويحتمل : (بَدا لَهُمْ) : ظهر لهم ما كانوا يخفون من نعت محمد صلىاللهعليهوسلم وصفته في الدنيا وكتموه ، والله أعلم.
__________________
ـ والجواب الثالث : أن معنى كونه كافرا أنه مشارك للكفار في عدم حرمة ماله وعرضه.
والجواب الرابع : أنه مقارب للكفر على حد قولهم : فلان دخل الدار لمن قارب دخولها.
وخلاصة القول فيما ذهب إليه الخوارج : أن جميع ما استدلوا به غير محمول على ظاهره ، بل المقصود به أمور أخر ، قد أوضحناها فيما سبق.
فإن قيل : لما ذا ذهبتم إلى تأويل ما استدل به الخوارج من نصوص ، ولم تؤولوا النصوص التي استدللتم بها.
قلنا : إن ما أوردناه من أدلة ـ نحن معاشر أهل السنة ـ يؤيدنا فيه الأدلة القاطعة على أن مرتكب الكبيرة مؤمن ، أضف إلى هذا إجماع من يعتد به في الإجماع على أن مرتكب الكبيرة ليس بكافر وأما خروج الخوارج عن الإجماع ، فهم فئة ضالة لا يعتد بمخالفتها والله أعلم.
والراجح من الخلاف أن مذهب أهل السنة هو الأولى بالقبول ؛ لقوة أدلتهم ، وبطلان ما وجه إليها من اعتراضات ؛ ولقول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)[النساء : ٤٨] ، ولقوله صلىاللهعليهوسلم : «من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة ، وإن زنى وإن سرق» فقال أبو ذر : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ قال : «وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي ذر».
ومن ناحية أخرى ، لا يستقيم عقلا أن نسوي بين مرتكب الكبيرة وبين الكافر أو المشرك ، فمرتكب الكبيرة على الرغم من اقترافه الآثام والمعاصي الكبيرة ـ موحد وإذا كان الأمر كذلك فكيف نسوي بينه وبين المشرك الذي لا يشهد أن لا إله إلا الله. والله أعلم.
ينظر حاشية التفتازاني على العقائد (٥ / ١٤٨ ـ ١٥٥) حاشية رمضان أفندي على العقائد (٢٣٦) أصول البزدوي (١٤٢ ـ ١٤٥) نشر الطوالع للعلامة المرعشي ص (٣٥٩) شرح النووي على صحيح مسلم (١ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠) حاشية الباجوري (١٣٧) النشر الطيب للوزاني (٢ / ٩٩)
(١) في ب : ذكر بما كان.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : وجوه.