وقيل (١) في قوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى) هي النعمة التي أنعمها (٢) على بني إسرائيل بما صبروا على البلاء حين كلفوا ما لا يطيقون من استعباد فرعون إياهم ، والكلمة التي ذكر ما ذكر في القصص من قوله : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٥].
قوله تعالى : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩) قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٤٠) وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)(١٤١)
قوله ـ عزوجل ـ : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ).
دل هذا على أن لله في فعل العباد صنعا وفعلا ؛ حيث أضاف ونسب المجاوزة إلى نفسه ، وهم الذين جاوزوا البحر ، دل أن له في فعلهم صنعا ، وهذا ينقض على المعتزلة حيث أنكروا خلق أفعال العباد ، وبالله المعونة والعصمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ).
العكوف (٣) : هو المقام والدوام ، وقوله : (يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) ، أي : وجدوهم عكوفا على عبادة الأصنام مقيمين على ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً).
يشبه أن يكون سؤالهم إلها يعبدونه لا على الكفر بربهم والتكذيب لرسوله ، ولكن لما لم يروا أنفسهم أهلا للعبادة لله ، والخدمة له ؛ لما رأوا في الشاهد أنه لا يخدم (٤) الملوك إلا الخواص لهم ، والمقربون إليهم ، ومن بعد منهم يخدم خواصهم ، فعلى ذلك هؤلاء سألوا موسى إلها يعبدونه ؛ لما لم يروا أنفسهم أهلا لعبادة الله ، والخدمة له ؛ لتقربهم
__________________
(١) ذكره أبو حيان في البحر المحيط بنحوه (٤ / ٣٧٦).
(٢) في ب : أنعم.
(٣) وهو في اللغة : لزوم الشيء والإقبال عليه ، قال ابن سيده : في المحكم (عكف) (عكف) : يقال : عكف يعكف عكفا وعكوفا ، واعتكف : لزم المكان ، وقال الجوهري في الصحاح (عكف) : عكفه ، أي : حبسه ، يعكفه ، ويعكفه عكفا ؛ ومنه قوله تعالى (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً)[الفتح : ٢٥] ، قال : وعكف على الشيء ، يعكف ويعكف ، عكوفا ، أي : أقبل عليه مواظبا ، ومنه قوله تعالى (يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ)[الأعراف : ١٣٨].
(٤) في ب : لم يخدم.