تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(٨٣)
(وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) ذكر محاجة قومه ولم يبين فيما حاجوه ، لكن في الجواب بيان أن المحاجة فيما كانت ، وهو قوله : (قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ).
ثم تحتمل المحاجة في الله : في توحيد الله ودينه. وتحتمل في اتباع أمر الله وطاعته.
وذكر في بعض القصة عن ابن عباس (١) ـ رضي الله عنه ـ قال : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) : في آلهتهم وخوفوه بها ، وقالوا : إنا نخاف آلهتنا ، وأنت تشتمها ولا تعبدها ، أن تخبلك وتفسدك. وذلك محتمل ؛ وهو كقول قوم هود لهود (٢) ـ عليهالسلام ـ (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) [هود : ٥٤].
ثم قال لهم إبراهيم (٣) ـ عليهالسلام ـ : لما (٤) [لا] تخافون أنتم منها؟.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢٤٨) (١٣٤٧٠) عن ابن جريج بنحوه وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤٨) وعزاه لابن المنذر وأبي الشيخ.
(٢) هو هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام ابن نوح. وقيل : هو هود بن شالح بن أرفخشذ بن سام. وقيل غير هذا.
أرسله الله إلى قومه عاد حتى لا يشركوا به في عبادتهم ، وحتى يخلصوا في عبادتهم. وخوفهم أن يحل بهم من نقمة الله على كفرهم ، وما سيحل بهم إن هم كذبوه.
كان قوم عاد عربا يسكنون أرض الأحقاف في شمال حضرموت جنوبي الجزيرة العربية حيث نشأ بينهم. وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله تعالى ، كما كان يفعل قوم نوح من قبل.
وكانوا يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام ، وهم قوم إرم (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ)[الفجر : ٦ ـ ٧].
فأتى هود ملكهم شدادا ، فدعاه إلى الله وأمره بالإيمان والإقرار بربوبية الله ووحدانيته. فتمادى في الكفر والطغيان ، وذلك حين تملكه ٧٠٠ عام. وأنذره هود بالعذاب. وحذره وخوفه زوال ملكه ، فلم يرتدع عما كان عليه. ولم يجب هودا إلى ما دعاه إليه بينما كان ابنه مرشد بن شداد مؤمنا به. ونصح قومه ودعاهم خلفاء لنوح ، وزاد في أجسامهم طولا وعظما على أجسام قوم نوح نعمة منه عليهم ، وقال لهم : فاشكروا الله واذكروا نعمه وفضله بإخلاص العبادة وترك الإشراك به. ينظر معجم أعلام القرآن الكريم (٢٦٢).
(٣) إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه وسلامه قال الله تعالى (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) [النساء : ١٢٥] وقال تعالى (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [النحل : ١٢٠ ـ ١٢٢] وقال تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) [الأنبياء : ٥١] وقال تعالى (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) [البقرة : ١٢٤] وقال تعالى (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) العنكبوت : ٢٧] وقال تعالى (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) [هود : ٧٥] وقال تعالى (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي ـ