وما أنعم عليهم من كثرة الأمطار والأنهار ما لم يكن ذلك لهؤلاء ، ثم مع ما كان أعطاهم ذلك أهلكهم إذ (١) كذبوا الرسل.
فإن قيل : [كيف] ذكر إهلاك هؤلاء (٢) ، وخوف أولئك ذلك (٣) بتكذيبهم الرسل ، وقد أهلك الرسل والأولياء من قبل؟
قيل : لأن إهلاك أولئك إهلاك عقوبة وتعذيب ؛ لأنه كان أهلكهم هلاك استئصال واستيعاب ؛ خارجا عن الطبع ، وأهلك أولئك الرسل والأولياء لا إهلاك عقوبة خارجا عن الطبع ؛ لذلك كان ما ذكر.
قوله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (١١)
قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) يخبر بشدة (٤) تعنتهم أنهم وإن أتوا ما سألوا من الآيات لم يؤمنوا (٥) به ؛ لأنهم كانوا سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ينزل كتابا يعاينونه ، ويقرءونه ، كقوله : (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) [الإسراء : ٩٣] وكقوله : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] ونحوه من الآيات ، وقوله (٦) : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) أي : في صحيفة ، مكتوبا ، يعلمون أنه لم يكتب في الأرض ، ولمسوه بأيديهم ، وعاينوه لم يؤمنوا به ، ولا صدقوه ، وقالوا : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) يخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنهم لا يؤمنون ، ويخبره بشدة تعنتهم أنهم لا يؤمنون وإن جئت بكل آية ؛ إذ قد أتاهم من الآيات ما إن تأملوا ولم يتعنتوا لدلتهم على ذلك ، لكنهم أعرضوا عنها ، ولم يتأملوا فيها لتعنتهم ، وشدة مكابرتهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) أن مشركي العرب كانوا لا يعرفون
__________________
(١) في ب : إذا.
(٢) في ب : أولئك.
(٣) في ب : هؤلاء بذلك.
(٤) في أ : لشدة.
(٥) في ب : تؤمنوا.
(٦) في أ : يقول.