هذه الدنيا عداوة ، والرحم والقرابة اللتين (١) كانتا بينهم منقطعا ، حتى يفر بعضهم من بعض ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ) [عبس : ٣٤ ، ٣٥] الآيات.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ).
أي : ذهب عنكم وبطل ما كنتم تزعمون أنهم شفعاؤكم عند الله ، وبالله العصمة والنجاة.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٩٩)
قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى).
قيل (٢) : فالق الحب والنوى كما قال الله ـ تعالى ـ : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام : ١٤] ؛ وكقوله تعالى : (قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ) [الإسراء : ٥١] أي : خلقكم يخبر أنه خالق (٣) الحب والنوى ، خص الحب [والنوى](٤) بالذكر لما منهما خلق جميع ما في الدنيا من الأنزال والحبوب ؛ كقوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) منذ (٥) ما خلق ما في الدنيا من البشر ، فأضاف ذلك إليه ؛ فعلى ذلك لما خلق هذه الأنزال كلها من الحب والنوى ، ومنها أخرج ، أضاف إليها (٦) ذلك ، والله أعلم.
ويحتمل : أن يكون ليس بإخبار عن ابتداء إنشاء ، ولكن إخبار عن لطفه.
والفلق : هو الشق ، يخبر أنه يشق النواة مع شدتها وصلابتها ، ويخرج منها نبتا أخضر لينا ، ما لو اجتمع كل الخلائق على إنفاذه وإخراج مثله من غير أذى يصيب ذلك النبت (٧) ما قدروا عليه ، يخبر عن لطفه وقدرته ، أي : من قدر على هذا لقادر على إعادة الخلق
__________________
(١) في أ : التي.
(٢) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢٧٥) (١٣٥٨٨ ، ١٣٥٨٩) عن الضحاك (١٣٥٩٠) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٦٠) وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٣) في أ : فالق.
(٤) سقط في أ.
(٥) في أ : منه.
(٦) في ب : إليهما.
(٧) ينظر عمدة الحفاظ للسمين الحلبي (٣ / ٢٩٧).