__________________
ـ اقترن به خوف العقاب ، ورجاء العفو والعزم على التوبة لا ينافي هذا التصديق وقد اعترض على هذا الدليل بأنه مبني على مذهب أهل السنة والجماعة في المراد بالإيمان حيث ذهبوا إلى أن الإيمان هو التصديق فقط ، ومن ثم بنوا على هذا الرأي مذهبهم في الكبيرة.
والمخالف لا يقر ابتداء برأي أهل السنة في المقصود بالإيمان ، وبالتالي فهو لا يقر بما ينبني عليه من حكم مرتكب الكبيرة.
وقد أجيب عن هذا الاعتراض : بأنه إن كان الدليل مبنيا على رأي يخالف رأي الخصم ـ فإن هذا لا يضر الدليل طالما أنه بني على رأي راجح ، يجب أن يلتزم به المخالف لقوة أدلته.
ومن ثم كان ينبغي على الخصم التسليم بأن المقصود بالإيمان هو التصديق فقط ، لقوة الأدلة القاطعة بذلك ، ثم بعد ذلك يكون هذا الدليل حجة عليه.
هذا وقد سبق لنا بيان اختلاف العلماء في المراد بالإيمان بما يغني عن إعادة الكلام فيه ثانيا.
هذا كله إذا كانت الكبيرة تفعل بغير استحلال واستخفاف ، وإلا كانت مخرجة عن الإيمان قطعا عند السني أيضا ؛ لأنه لا نزاع في أن التصديق خفي لكونه في القلب ، والشارع جعل له أمارات تدل عليه وأمارات تدل على نفيه ، فهناك من المعاصي ما جعله الشارع أمارة على نفي التصديق كسجود لصنم وإلقاء مصحف في قاذورة والتلفظ بكلمات الكفر ، فكل ذلك يدل على نفي التصديق ، فلو فعلت الكبيرة على وجه يفهم منه عدها حلالا ، كانت أمارة على التكذيب وإذا قال فاعلها هي حلال كان تكذيبا صراحا وكفرا صريحا.
الدليل الثاني : قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى)[البقرة : ١٧٨] وقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا)[التحريم : ٨] وقوله (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا)[الحجرات : ٩].
ووجه الاستدلال بهذه الآيات أن هذه الآيات تتناول معاصي هي من الكبائر ، ومع ذلك ، فإنها تطلق على مرتكبيها اسم الإيمان.
والدليل على أن المعاصي التي تتحدث عنها هذه الآيات من الكبائر أن الآية الأولى تتحدث عن القصاص ، وهو لا يكون إلا عن قتل وهو كبيرة. وفي الآية الثانية أمر المؤمنين بالتوبة وهي لا تطلب إلا في كبيرة.
وفي الآية الثالثة قال (اقْتَتَلُوا) والضمير راجع للمؤمنين فدل على أنهم مؤمنون مع الاقتتال الذي هو كبيرة.
وقد نوقش هذا الاستدلال بأنه يحتمل أن يكون الخطاب في الآية الأولي والثانية للمؤمنين المبرءين الذين لم يقع منهم الذنب : والمعنى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص لو فرض قتل ، ويا أيها الذين آمنوا توبوا لو وقع منكم ذنب ، فالوصف بالإيمان قبل حصول الذنب. وعلى ذلك لا يعلم من الآيتين أنهم بعد الذنب مؤمنون ، ومثل ذلك يقال في الآية الثالثة (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : لو فرض ووقع اقتتال بين فريقين فأصلحوا بينهما.
والحقيقة أن هذا التأويل تأويل بعيد ، وهو ضعيف أيضا من جهة أنه يلزم منه أن يعود الضمير عليهم بعد ارتكابهم لهذه المعاصي ، فيظل اسم الإيمان شاملا لهم ، برغم ما تكبده من عناء في التأويل.
الدليل الثالث : إجماع الأمة من عصر النبي إلى عهدنا هذا على أن من مات من أهل القبلة من غير توبة يصلى عليه ويدعى له ويستغفر له ، بعد اتفاق الأمة على أن ذلك لا يجوز لغير المؤمن.
وقد نوقش هذا الدليل بأمرين :
أحدهما : أن هذا الدليل لا يلزم المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن مرتكب الكبائر في منزلة بين المنزلتين فهو ليس بمؤمن ولا بكافر ؛ وعليه فإن الإجماع المذكور لا يحتج به عليهم ؛ لأنه إجماع بخصوص الكافر ، وهم لم يصلوا بمرتكب الكبيرة إلى هذا الحد. ـ