__________________
ـ بالإصرار.
وحد الإصرار ـ كما قال ابن عبد السلام ـ : هو أن تتكرر منه الصغيرة تكرارا يشعر بقلة مبالاته بدينه. انظر : شرح النووي على صحيح مسلم (١ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠) والإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد للجويني ص ٣٩٢.
وقد وقع خلاف بين العلماء في الكبيرة من حيث عددها ، على مذاهب :
الأول : أن الكبائر تسع ، هي الشرك بالله ، وقتل النفس بغير حق ، وقذف المحصنة ، والزنى ، والفرار عن الزحف ، والسحر ، وأكل مال اليتيم ، وعقوق الوالدين المسلمين ، والإلحاد في الحرم ؛ وهذا هو المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما. وقد اعترض عليه بأن الانحصار في التسع غير صحيح ؛ لأنه إن أريد بالشرك بالله مطلق الكفر فالسحر داخل فيه ، وعلى ذلك تكون الكبائر ثمانية وإن أريد بالشرك اعتقاد الشريك في الألوهية فتكون هناك أنواع من الكفر غير داخلة في الشرك مثل اتخاذ الولد أو الزوجة وإثبات التحيز وغير ذلك من الأمور المكفرة ، وهي من الكبائر قطعا ، مع أن العدد لا يشملها ، وعلى هذا تكون الكبائر أكثر من تسع.
وقد أجيب عن هذا بأن المراد بالشرك مطلق الكفر ، والمراد من السحر تعلمه وتعليمه لا العمل به لأنه كفر ، أما تعلمه وتعليمه فمن الكبائر ، ويؤيد ذلك رواية أبي طالب المكي التي عدت السحر من كبائر اللسان ، وليس في اللسان إلا التعلم والتعليم.
وقد أشكل هذا الجواب بأن تعلم السحر أمر مطلوب ، أمر به الشارع الحكيم ، فقد ورد الأمر بتعلم السحر والنهي عن العمل به ، فكيف يتفق هذا مع القول بأن تعلم السحر وتعليمه من الكبائر؟
وأجيب عن هذا الإشكال بأنه إن صح الأمر بتعلم السحر ، فإن المراد من الأمر بتعليمه التمكن من دفع أذاه ، وأما تعليمه وتعلمه لا لهذا الغرض فهو كبيرة ، وهذا كله إذا كان العمل بالسحر كفرا على ما صرح به الزمخشري وحكى الاتفاق عليه ، ولكن يقال : إن العمل بالسحر مع اعتقاد أنه غير مؤثر لا يكون كفرا بل كبيرة ، وهذا معقول ، وعلى ذلك يصح أن يراد بالسحر العمل به الخالي من اعتقاد التأثير ويكون كبيرة والعد صحيحا.
الثاني : أن الكبائر عشر ، التسع المذكورة في رواية ابن عمر يزاد عليها أكل الربا وهذا مروي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الثالث : أن الكبائر اثنتا عشرة ، العشر المتقدمة ويزاد عليها السرقة وشرب الخمر وهذا مروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه سماعه وروايته.
وقد اختلف ـ أيضا ـ في حكم مرتكب الكبيرة على مذاهب :
الأول : أن الكبيرة لا تخرج العبد من الإيمان ولا تدخله في الكفر وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
الثاني : أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين أي أنه ليس بمؤمن ولا بكافر ، وهو مذهب المعتزلة.
الثالث : أن صاحب الكبيرة منافق ، وهو مذهب الحسن البصري.
الرابع : أن مرتكب الكبيرة كافر ، وهو مذهب الخوارج.
وفيما يلي أدلة كل فريق :
أولا : أدلة المذهب الأول : استدل أهل السنة والجماعة على أن الكبيرة لا تخرج العبد من الإيمان وتدخله في الكفر بثلاثة أدلة هي :
الدليل الأول : أن الإيمان هو التصديق فقط ، فلا يخرج العبد المؤمن عن الاتصاف به إلا بما ينافي هذا التصديق ومجرد الإقدام على الكبيرة لغلبة شهوة أو حمية أو أنفة أو كسل ، خصوصا إذا ـ