وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ).
أخبر أن الإيمان لا ينفع في ذلك الوقت ؛ لأنه ليس بإيمان اختيار في الحقيقة ؛ إنما [هو](١) إيمان دفع العذاب والبأس عن أنفسهم ؛ كقوله : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) [غافر : ٨٤] ، وقوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [الأنعام : ٢٨] أخبر أنهم لو ردوا إلى الدنيا ، لعادوا إلى تكذيبهم الرسل وكفرهم بالله ؛ فدل أن إيمانهم في ذلك الوقت إيمان دفع العذاب والبأس وإيمان خوف ، وهو كإيمان فرعون ؛ حيث قال : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس : ٩٠] ، لم ينفعه إيمانه في ذلك [الوقت](٢) ؛ لأنه إيمان دفع الهلاك عن نفسه ، لا إيمان حقيقة باختيار.
والثاني : أنه في ذلك الوقت ـ وقت نزول العذاب ـ لا يقدر أن يستدل بالشاهد على الغائب ؛ ليكون قوله قولا عن معرفة وعلم ، وإنما هو قول يقوله بلسانه لا عن معرفة في قلبه [فلم ينفعه إيمانه](٣) في ذلك الوقت ؛ لما ذكرنا ، وهو كقوله : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) [النساء : ١٨] ؛ لأنه إيمان دفع البأس والعذاب ، أو يبالغ بالاجتهاد ؛ حتى يكون إيمانه إيمانا باجتهاد ؛ لذلك كان ما ذكرنا.
أو أن يكون في طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدجال ، ودابة الأرض ، وما ذكر من البلاء والشدة والعذاب ما يضطرهم إلى الإيمان به ؛ فيكون إيمانهم إيمان اضطرار لا اختيار.
ويشبه أن تكون (٤) [الأخبار](٥) التي رويت عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه (٦) لا تقبل التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها ، وبعد خروج الدجال ودابة الأرض ، أي : لا يثابون على طاعتهم ، وإلا فمن البعيد أن يدعوا إلى الإيمان والطاعات ، ثم إذا أتوا بها لم تقبل منهم ، لكنه يحتمل ما ذكرنا [بألا](٧) : لا يثابوا على ذلك ، ويعاقبوا ما كان منهم [من] الكفر وكفران
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : يكون.
(٥) سقط في أ.
(٦) في ب : أن.
(٧) سقط في أ.