النعم ؛ لأن جهة وجوب الثواب إفضال وإحسان ، وفي الحكمة ترك الإفضال بالثواب في الطاعات إذا كان من الله ـ عزوجل ـ من النعم ما يكون ذلك شكرا له ، والعقاب على الكفر مما توجبه (١) الحكمة ؛ لذلك كان ما ذكرنا [واحدا](٢) ؛ [ولهذا](٣) يخرج قول أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ حيث قال : لا ثواب للجن على طاعتهم (٤) ؛ لأن طريق وجوبه
__________________
(١) في ب : يوجبه.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في ب.
(٤) اتفق العلماء على أن الجن مكلفون مخاطبون لقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] ولقوله تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) [الجن : ١ ـ ٢] ، وقوله تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن : ٣٣ ـ ٣٤] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على تكليفهم وأنهم مأمورون منهيون ولما في القرآن من ذم الشياطين ولعنهم ، والتحرز من غوائلهم وشرهم ، وذكر ما أعد الله لهم من العذاب ، وهذه لا تكون إلا لمن خالف الأمر والنهي ، وارتكب الكبائر ، وهتك المحارم ، مع تمكنه من ألا يفعل ذلك ، وقدرته على فعل خلافه.
قال القاضي عبد الجبار : لا نعلم خلافا بين أهل النظر في أن الجن مكلفون.
وحكي عن الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم ، وأنهم ليسوا مكلفين.
وأجمع العلماء على دخول الجن في عموم بعثة النبي صلىاللهعليهوسلم وأن الله تعالى أرسل محمدا صلىاللهعليهوسلم إلى الجن والإنس ففي الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي».
وحديث «كان النبي يبعث إلى خاصة قومه وبعثت أنا إلى الجن والإنس» قال ابن عقيل : والجن داخلون في مسمى الناس لغة.
وذهب جمهور العلماء إلى أن الجن يثابون على الطاعة ويعاقبون على المعصية ، لقوله تعالى : (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً. وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) [الجن : ١٤ ، ١٥] وقوله تعالى : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)[الأنعام : ١٣٢] وقوله تعالى : (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ)[الرحمن : ٥٦].
وحكى ابن حزم وغيره عن أبي حنيفة أنه قال : لا ثواب لهم إلا النجاة من النار لأنه جاء في القرآن فيهم (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)[الصف : ١٢] والمغفرة لا تستلزم الإثابة ، لأن المغفرة ستر. وروي عن ليث بن أبي سليم. قال : ثواب الجن أن يجاروا من النار ، ثم يقال لهم : كونوا ترابا ، وروي عن أبي الزناد قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال الله تعالى : لمؤمني الجن وسائر الأمم : كونوا ترابا ، فحينئذ يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا.
ثم إن العلماء اتفقوا على أن كافر الجن يعذب في الآخرة ، كما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) وقوله تعالى : (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ)[محمد : ١٢].
ينظر : شرح روض الطالب (٣ / ١٠٤) ، الفصل في الملل لابن حزم (٥ / ١٢) ، وتفسير الرازي (٣٠ / ١٥٣) ط عبد الرحمن محمد ، ومقالات الإسلاميين (٢ / ١١٣) ، والأشباه والنظائر لابن نجيم (٣٢٦) ، وآكام المرجان (٣٦) وما بعدها ، والفروع لابن مفلح (١ / ٦٠٣) ، وكشاف القناع (١ / ٤٧٠).