فإن قيل : إنما هذا حكاية من الله ـ تعالى ـ عن المشركين ، قلنا : معناه ـ والله أعلم ـ : إني أنزلت عليكم الكتاب ؛ لئلا تقولوا : إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ، فلم يقولوا ذلك ، ولكن الله قطع بإنزاله الكتاب حجتهم التي علم أنهم كانوا يحتجون بها لو لم ينزله ، وإن لم يكن لهم في ذلك حجة ولا عذر ، وهو ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ).
قيل (١) : القرآن.
وقيل (٢) : محمد صلىاللهعليهوسلم.
(وَهُدىً).
أي : هدى من الضلالة وكل شبهة.
(وَرَحْمَةً).
أي : ذلك منه رحمة ونعمة.
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ).
أي : لا أحد أظلم ممن كذب بآيات الله.
قيل : بآيات الله : حجج الله.
وقيل : دين الله ، وقد ذكرناها في غير موضع.
وقد ذكرنا أن قوله : (فَمَنْ أَظْلَمُ) حرف استفهام في الظاهر ، ولكن ذلك من الله على الإيجاب ؛ كأنه قال : لا أحد أوحش ظلما ممن كذب بآيات الله وصدف عنها [وقوله : (وَصَدَفَ عَنْها) أي أعرض عنها (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) يعرضون ويبدلون ... الآية ظاهرة](٣).
وقوله ـ عزوجل ـ : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا ...).
قال أهل التأويل (٤) : ما ينظرون ، وحرف «هل» (٥) هو حرف استفهام وتعجب (٦) ، لكن
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٥ / ٤٠٣) (١٤١٩٤) عن السدي بنحوه ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٠٨) وعزاه ابن أبي حاتم عن السدي ، وأبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٢٥٨).
(٢) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٢٥٨) ونسبه لابن عباس.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر تفسير البحر المحيط لأبي حيان (٤ / ٢٥٨).
(٥) هل : استفهام عن الحكم لا المحكوم عليه ، كقولك : هل قام زيد ، وهل زيد قام؟ فالسؤال عن حصول القيام المحكوم به على زيد ، ولا يجوز هل زيدا ضربت؟ لأن تقدم الاسم مشعر حينئذ بأن الضرب واقع ، وإنما السؤال عن محل الضرب لا عن الضرب ، ولا يجوز : هل زيد قام أم عمرو؟ لأن السؤال حينئذ عن حقيقة القائم ، وأما القيام فهو واقع ، و (أم) موضوعة للسؤال عن تصور ـ