أهل التأويل قالوا : ما ينظرون ، حملوا على الجواب ؛ لأنه لم يخرج له جواب ، فجوابه ما قالوا : ما ينظرون ؛ كما [قالوا](١) في قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) [الأنعام : ٢١] ، أي : لا أحد أظلم ممن كذب ، هو جواب ؛ لأن جوابه لم يخرج ، فجوابه ما قالوا : لا أحد أظلم ؛ لأنه سؤال واستفهام ، فجوابه ما ذكروا ؛ فعلى ذلك قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ) هو استفهام ولم يخرج له الجواب ، فجوابه : لا ينظرون ؛ كقوله : (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) [يس : ٤٩].
ثم قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ).
هذا ـ والله أعلم ـ يشبه أن تكون الآية في المعاندين منهم والمتمردين ، الذين همتهم العناد والتعنت ، خرج على إياس رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢) ، من أولئك الكفرة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم حريصا على إيمانهم مشفقا على أنفسهم ؛ حتى كادت نفسه تذهب حسرات عليهم ؛ حرصا على إيمانهم وإشفاقا على أنفسهم ؛ كقوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] ، وكقوله : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ ...) الآية [الكهف : ٦] ، ونحوه ، فآيسه الله ـ تعالى ـ عن إيمان أولئك الكفرة ؛ لئلا يطمع في إيمانهم وإسلامهم بعد ذلك ، ولا تذهب نفسه حسرات عليهم ؛ ليتخذهم أعداء ويبغضهم ، ويخرج الشفقة التي في قلبه لهم ، وليتأهب لعدوانهم ، ويتبرأ منهم ؛ كما فعل إبراهيم : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) [التوبة : ١١٤] ، وكما قال لنوح : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) [هود : ٣٦] : آيسه الله عن إيمان قومه إلا من قد آمن ، ونهاه أن يحزن
__________________
ـ المحكوم عليه لا عن الحكم ، ولأجل هذا قلنا : (هل) لا تعادل (أم) ، وإنما تعادل (أو).
وأما الهمزة فإنها تصلح في الاستفهام عن الحكم وعن المحكوم به كقولك : أقام زيد أم عمرو؟ وكقولك : أقام زيد أو عمرو؟ وسائر أدوات الاستفهامات إنما تصلح للسؤال عن حقيقة المحكوم عليه.
ومختصر القول : أن (هل) موضوعة للاستفهام عن التصديق والإيجاب الذي هو معرفة المركبات ، الذي هو إسناد الحكم إلى المحكوم عليه وسائر الأدوات غير الهمزة موضوعة للتصور الذي هو معرفة حقائق المفردات التي هي محكوم عليها ، والهمزة صالحة للأمرين. ولها مع الاستفهام أربعة معان :
أحدها : النفي ، والثاني : تكون بمعنى (إن) في التوكيد والتحقيق ، والثالث : تكون بمعنى قد ، الرابع : التمني.
ينظر : مصابيح المغاني في حروف المعاني (٥٠٦) والمغني لابن هشام : (٣٨٦)
(٦) في ب : تعجيب.
(١) سقط في أ.
(٢) زاد في أ : يشبه أن تكون الآية في المعاندين.