يحتمل ألا تكافئهم على أذاهم ؛ ولكن اصبر ، ويحتمل الأمر بالإعراض عنهم : النهي عن قتالهم ؛ كأنه نهى عن قتالهم في وقت.
ويحتمل أن تكون الآية في قوم خاصة ، قال : أعرض عنهم ؛ فإنهم لا يؤمنون ، ولا تقم عليهم الآيات والحجج ؛ لما علم منهم أنهم لا يؤمنون ، ثم على ما أمر نبيه بالإعراض عنهم أمر المؤمنين ـ أيضا ـ بالإعراض عنهم ، وهو قوله : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) [القصص : ٥٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا).
قالت المعتزلة : المشيئة هاهنا مشيئة قهر وجبر ، أي : لو شاء الله لأعجزهم ومنعهم عن الشرك على دفع الابتلاء والامتحان.
وأما عندنا : المشيئة : مشيئة اختيار ، والطوع على قيام الابتلاء والامتحان ، وبعد : فإن مشيئة الجبر هي خلقه ، وقد كانوا جميعا غير مشركين بالخلقة ؛ فلا معنى لتأويلهم الذي تأولوا في المشيئة.
ثم لا يحتمل أن يكون قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) مشيئة قهر وجبر ؛ لأنه لا يكون في حال الجبر والقهر إيمان ولا كفر ؛ إنما يكون ذلك في حال الاختيار والطوع ؛ لأن الجبر والقهر يمنع من أن يكون له فعل حقيقة ؛ بل يتحول الفعل عنه (١) ويسقط ، ويثبت للذي جبر وقهر ؛ وذلك بعيد ؛ فدل أنه ما ذكرنا ، وبالله الرشاد.
وفي قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) دلالة أن طريق الإسلام الإفضال والإنعام ، ولله أن يخص به من كان أهلا للإفضال والإنعام باللطائف التي عنده ، ويحرم [بعضا](٢) ذلك ، وله أن يجعل بعضهم أهلا لذلك ؛ إفضالا منه ، ولا يجعل البعض (٣) ؛ عدلا منه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ).
أي : لم يؤخذ عليك حفظ أعمالهم ، أو لا تسأل أنت عن صنيعهم ؛ إنما عليك التبليغ ، وهو كقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٥٢] ، [و](٤) كقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) [النور : ٥٤] ، ونحوه.
__________________
(١) في أ : منه.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : لبعض.
(٤) سقط في أ.