أي : لنبينه يعني القرآن ، وقيل (١) البصائر التي ذكر لقوم ينتفعون بعلمهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ).
فإن قيل : ما معنى قوله : (مِنْ رَبِّكَ) ، وإنما أوحي إليه من ربّه ، ويكفي قوله : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ)؟!
ولكن معناه على الإضمار ـ والله أعلم ـ كأنه قال للذي أوحي إليه على يديه : قل (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ، ثم أمر نبيه باتباع ما أوحي إليه من ربه ، أي : اعمل بما أوحى إليك.
ثم الأمر بالعمل يحتمل وجهين :
يحتمل : الأمر بالاعتقاد بذلك.
ويحتمل : نفس العمل ، أي : اعمل.
ويشبه أن يكون الأمر بالاتباع ما أوحى إليه صدقا في الخبر وعدلا في الحكم ؛ كقوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) [الأنعام : ١١٥].
قيل (٢) : صدقا في الأخبار ، وعدلا في الأحكام ؛ فعلى ذلك أمكن أن يكون الأمر بالاتباع اتباع ما أوحي إليه صدقا في الأخبار ، وعدلا في الأحكام ، ثم على ما أمر نبيه باتباع ما أوحي إليه وأنزل من ربه أمر أمته كذلك ، وهو قوله : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) [الأعراف : ٣] أمرهم باتباع ما أنزل إليهم من ربهم ، ونهاهم عن اتباع من (٣) اتخذوا من دونه أولياء ؛ فعلى ما نهاهم عن اتخاذ أولياء دونه قال في الآية التي أمر رسوله باتباع ما أوحي إليه من ربه ؛ فقال : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وقوله : (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) [الأعراف : ٣] واحد ؛ لأنه أمر باتباع ما أوحى إليه من ربه ، ونهى أن يتبع دونه أولياء ؛ لأنه أخبر أن لا إله إلا هو.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ).
يحتمل : أمره بالإعراض عن المشركين وجوها :
__________________
(١) قال الخازن والبغوي في تفسيرهما (٢ / ٤٢٥) : وكذلك نصرف الآيات ليسعد بها قوم ويشقى بها آخرون.
(٢) سيأتي.
(٣) في أ : ما.