ولتوضيح هذه الثمرة ، لا بدّ من التمييز بين الإطلاق اللفظي الإطلاق المقامي فنقول :
إن المولى ، تارة يكون في مقام يحرز منه أنه قد تصدّى فيه لبيان تمام الأجزاء والشرائط المطلوبة ، فحينئذ ، إذا بيّن خمسة أجزاء مثلا وسكت عن السادس ، فهنا يستدل على عدم وجوب الجزء السادس بمثل هذا السكوت ، ويسمّى الاستدلال بهذا ، استدلالا بالإطلاقات المقامية ، فمصب هذا الإطلاق هو مقام المولى لا لفظه ، وهذا المقام يحرز بدليل خاص.
وتارة أخرى يأمر المولى بشيء له حالات ، فعند الشك في إرادة خصوص حالة منها ، يتمسّك بالإطلاق اللفظي الذي يرجع إلى مقدمات الحكمة ، ويثبت بذلك أنه أراد الشيء على الإطلاق ، لا في حالة من حالاته ، ومركز هذا الإطلاق هو اللفظ لا المقام ، وهذا الإطلاق اللفظي ، وإن كان يحتاج إلى كون المولى في مقام البيان على مقتضى الأصل العقلائي ، لكنه لا يحتاج إلى دليل خاص كما كان الإطلاق المقامي يحتاجه.
وإذا اتضح التمايز ، نقول ، إن الصحيحي والأعمي يتفقان على جواز التمسك بالإطلاق المقامي إن وجد ، وأمّا الإطلاق اللفظي فيجوز التمسك به ، بناء على الأعم ، كما إذا شك بأن السورة هي جزء من الصلاة أم ليست بجزء؟. فبناء على الأعمي ، يجوز التمسك بإطلاق لفظ الصلاة ، لأن الصلاة بناء على الأعمي لم يؤخذ في مسمّاها السورة ، بل الأركان الخمسة أو الأجزاء السبعة ، والسورة ليست منها ، فالصلاة تصدق بلا سورة ، وبناء على الصحيحي لا يجوز التمسك بالإطلاق ، لأنّ السورة على تقدير دخلها في الواجب ، تكون داخلة في مسمّى الواجب ، فبدونها لا يكون هناك صلاة. وهذه الثمرة ثمرة صحيحة ، ولكنها فقهية ، وليست أصولية كما هو واضح. هذا تمام الكلام في الجهة الرابعة.