الوجه الثالث :
ما ذكره صاحب الكفاية (١) (قده) ، وتوضيحه ، أن الاستعمال هو عبارة عن إراءة المعنى باللفظ ، بحيث أن لحاظ اللفظ يكون لحاظا آليا مرآتيا ، ولحاظ المعنى لحاظا استقلاليا ، تماما كمن يرى الصورة في المرآة فهو لا يرى المرآة بما هي هي ، وإنما يراها فانية وآلة للصورة ، وهو يرى الصورة ويلحظها لحظا استقلاليا ، وكذلك الحال في باب الاستعمال ، فاللفظ بالنسبة للمعنى هو كالمرآة بالنسبة للصورة فيكون اللفظ فانيا في المعنى على حدّ فناء المرآة في ذيها.
وبناء على هذا ، فاستحالة استعمال اللفظ في أكثر من معنى واضحة ، لأن اللفظ بعد فنائه في هذا المعنى لا يعقل أن يفنى في المعنى الآخر وفي عرض واحد ، إذ معنى فنائه أنه في عالم التصور قد استهلك في جنب هذا المعنى ، ومعه لا يعقل أن يستهلك في نفس الوقت في جنب معنى آخر.
وهذا البيان تعرض له السيد الأستاذ قائلا (٢) ، بأن هذا مبني على المشهور في الوضع ، فإذا قيل بأن الوضع عبارة عن الاعتبار والتنزيل ، فكأن اللفظ أفني في المعنى ، وحينئذ يتم هذا البيان وأما إذا قلنا بأن الوضع عبارة عن التعهد بأنه متى ما أتى باللفظ يجعله علامة على هذا المعنى المخصوص فليس بابه باب الإفناء فلا يتم البيان المذكور.
والتحقيق أن برهان المحقق الخراساني غير مربوط بباب الوضع ، بل هو مربوط بتشخيص معنى الاستعمال ، وفي هذا المقام ، قد يقال.
إن حقيقة الاستعمال هو الإفنائية والمرآتية ، وقد يقال ، إنه العلامية ، فهنا احتمالان ، أحدهما ، أن يكون الاستعمال بابه باب المرآة وذيها ، فاللفظ
__________________
(١) حقائق الأصول / الحكيم : ج ١ ص ٨٩ ـ ٩٠.
(٢) محاضرات فياض / ج ١ ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨.