أحدهما : أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يتوقع تحويل القبلة ، ويترقب ذلك من جهة السماء ، والأحكام إنما تأتي من عند الله ـ عزوجل ـ فدل على أنه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ كان يعتقد أنه ـ عزوجل ـ في جهة السماء.
الوجه الثاني : أنه ـ عزوجل ـ رأى النبي صلىاللهعليهوسلم يقلب نظره إلى / [٢٠ أ / م] السماء ينتظر الوحي من عند الله ـ عزوجل ـ ثم لم ينكر عليه ، ولم يقل له : لست في السماء ، فما ذا تطلب من جهتها بل أقره على ذلك فصار في المسألة اعتقاد النبي عليه الصلاة والسّلام ، وإقرار الله ـ عزوجل ـ له على ذلك وناهيك به حجة.
وأجاب الخصم بأنا لا نسلم أنه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ كان في تقليب وجهه إلى السماء يعتقد أن الله ـ عزوجل ـ فيها ، وإنما كان ينتظر الوحي من جهتها على لسان جبريل ـ عليهالسلام ـ لاعتياده ذلك منه.
ولا يلزم من نزول جبريل بالوحي من جهة السماء أن يكون الله ـ عزوجل ـ فيها ، وإلا للزم من صعود الملائكة بالأمر من الأرض أن يكون الله ـ عزوجل ـ فيها وأنه باطل.
(وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة : ١٤٤] عام مطرد.
(وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (١٤٤) [البقرة : ١٤٤] فيه أنهم إنما أوتوا من قبل [العناد ، لا من قبل] الخطأ في الاجتهاد ، فلذلك لم يعذروا ، بخلاف المخطئ في الأصول مع الاجتهاد حيث كان معذورا على رأي الجاحظ (١) والعنبري (٢) ، ولا يلزمهما إقامة عذر اليهود والنصارى المتوغلين في البحار وراء القطب الشمالي [ونحوهم].
وقد دل على هذا التخصيص قوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١٤٦) [البقرة : ١٤٦].
__________________
(١) هو عمر بن بحر بن محبوب أبو عثمان المعروف بالجاحظ الكناني الليثي البصري توفي بالبصرة سنة ٢٥٥ ه انظر شذرات الذهب ٢ / ١٢١ وفيات الأعيان [٣ / ٤٧٠].
(٢) هو عبد الله بن الحسن بن حصين العنبري ولد سنة ١٠٥ ه وتوفي سنة ١٦٨ ه انظر تهذيب التهذيب (٧ / ٨) وميزان الاعتدال.