(وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) (١٩) [الجن : ١٩] فيها فوائد :
منها : أن بعضهم ذهب إلى أن عبد الله اسم من أسماء النبي صلىاللهعليهوسلم والصحيح أنه إضافة له بالعبودية لا اسم علم.
ومنها : أنه صلىاللهعليهوسلم دعا الجن تلا عليهم القرآن ، وأنهم سمعوا ذلك ، وازدحموا عليه حتى كاد يتلبد بعضهم على بعض.
ومنها : أنه صلىاللهعليهوسلم وصف بالعبودية في أشرف مقاماته وهى مقامه هذا في تبليغ القرآن ، ومقامه في إثبات نبوته بمعجز القرآن في قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٣) [البقرة : ٢٣] ومقامه في الإسراء والوحي إليه في السماء في (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١) [الإسراء : ١] ، (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (١٠) [النجم : ١٠].
وفى نحو هذا يقول القائل :
لا تدعني إلا بيا عبدها |
|
فإنه أشرف أسمائي |
وفي ذلك يقول علي ـ رضي الله عنه ـ : حسبي عزا أن تكون لي ربا ، وحسبي فخرا أن أكون لك عبدا.
(إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) (٢٣) [الجن : ٢٣] مع ما سبق من قول موسى عليهالسلام : (أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) (٩٣) [طه : ٩٣] ينتظم قياسا هكذا : مخالف الأمر عاص والعاصي معاقب ، فمخالف الأمر معاقب ، وهو يقتضي أن الأمر للوجوب.
(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) (٢٦) [الجن : ٢٦] دلت هذه الآية على أن بعض الرسل يظهر على بعض الغيوب ، ودل غيرها على أن غير الرسل قد يكاشف بشيء من ذلك ، كأهل الرياضة والخلوة والكهان مثل سطيح وشق وكأهل ضرب الرمل