الرابع : أن شبكة العنكبوت قد تنخرق وتنقطع فيتجرد عنها ثم تعود فيعود إليها.
الخامس : السيف يجرد من غمده ثم يرث الغمد ويخلق ، ثم يجدد وإليه يعاد السيف فيغمد.
السادس : النحل يفارق بيته الذي بناه فربما خرب ثم يعاد فيعاوده ، ونظائره كثيرة ما بين قريب في التمثيل وبعيد ومتوسط ، وأقربها التمثيل بالطير والقفص ، إذ الروح كطائر في قفص مربوط في رجله خيط طويل فهو يطير ما بين اليوم والليلة مرة أو مرارا ثم يجذب بذلك الخيط فيعود ، فإذا انفلت من ذلك الخيط طارت وطالت / [٣٩٥ / ل] غيبته وتكسر القفص ، فإذا كان وقت عوده جدد القفص كما كان وعاد الطير إليه كما كان [وهكذا حال النفس مع البدن ، تفارق في حال النوم وتعاود لارتباطها بالبدن ، وبالموت ينحل رباطها إلى البعث ثم يعاد الجسم بعد بلائه فتعاود سكناه.
وربما ضحك الفيلسوف ومنكر البعث من هذا التقريب ، وهو أحق أن يضحك من عقله ، إذ لا يشك عاقل في إمكان ما ادعيناه وتسهيل تصور البعث بما قربناه.
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) (٦) [ق : ٦] يعني السماء لا فرج فيها ، وهو لا ينفي قبولها للخرق والالتئام كما سبق ، كالثوب الصحيح يقبل الانقطاع.
(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) (٩) [ق : ٩] إلى (رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) (١١) [ق : ١١] هذه حجة أخرى على إمكان البعث ووقوعه ، أما وقوعه فمستنده السمع المعصوم المستند إلى دليل المعجز المعقول ، وأما إمكانه فبالقياس على إحياء الأرض بعد موتها وقد سبق غير مرة ، وتوجيهه أن أجزاء الجسم القارة في الأرض كحب الزرع في الأرض وإخراجه حيّا من الأرض كإخراج الحب نباتا منها ، وكيفية ذلك ما سبق ، والمقوم له قدرة الفاعل وقابلية القابل والحكمة اللطيفة الرابطة بين تأثير الفاعل في القابل ، فالحب / [١٩٠ ب / م] في الأرض أصل ، وأجزاء الجسم فيها فرع ، [والحكم إخراجها] نباتا وحبا ، والعلة الإمكان وتمام القدرة ولطيف الحكمة ، وربما كان ذلك بواسطة ما تمطره السماء كمني الرجال تنبت فيه الأجسام كما تنبت الحبة في حميل السيل ، وبعد هذا البيان لا ينكر البعث إلا جاهل أو معاند للبرهان.
ثم من العجب قولهم : إن التراب استحال أن يعود بشرا سويا ، مع تسليمهم أو أكثرهم