الإسلام فاقتضى التغاير ، وهو كذلك لغة وشرعا ومركبا منهما.
أما لغة : فالإيمان التصديق ومحله القلب ، والإسلام الانقياد ومحله القلب والبدن جميعا ، فهو أعم ، والتغاير حاصل ، وهذا وهو المراد بالآية ، أي : لم تؤمنوا بقلوبكم ، وإنما أسلمتم ، أي : انقدتم بظواهركم.
وأما شرعا : فلأن النبي صلىاللهعليهوسلم فسر الإيمان في حديث جبريل بالتصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة ، وهي الشهادتان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج ، والتغاير أيضا حاصل ؛ لأن عمل القلب غير عمل البدن ، وما تعلق بالباطن غير ما تعلق بالظاهر.
وأما مركبا منهما : فالإيمان لغة : التصديق ، والإسلام شرعا ما ذكر من الأعمال الظاهرة وهما متغايران ، وإن كان العمل الظاهر قد [يلزم التصديق] / [١٨٩ ب / م] ، والتصديق قد يترتب عليه العمل الظاهر ، والإسلام لغة : الانقياد بالباطن أو الظاهر أو بهما ، والإيمان شرعا : التصديق بالله ـ عزوجل ـ وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر (١) ، وهما متغايران ، وإن كان التصديق بهذه الأركان قد يترتب عليه الانقياد الظاهر ، والانقياد بالظاهر قد يلزمه التصديق بهذه الأركان ، أما التصديق بهما والانقياد بالباطن فهما واحد أو متلازمان.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١٥) [الحجرات : ١٥] إن قيل : هذا تعريف الشيء نفسه.
قلنا : ليس كذلك ، بل هو تعريف الإيمان الشرعي باللغوي ، أي : إنما المؤمنون شرعا الذين آمنوا لغة ، أي : صدقوا بالله ورسوله ، وهو كقوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ لجبريل حين سأله عن الإيمان : «الإيمان أن تؤمن بالله» إلى آخره.
__________________
(١) انظر شرح البيجوري على الجوهرة [ص / ٤٣].