فيه إشارة إلى أن تخصيصه من يشاء بالرزق وقبضه وبسطه لطف منه بعباده ورعاية لمصالحهم ؛ لئلا يفسد الفقر منهم قوما والغنى آخرين ، وقد شرح ذلك في قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) (٢٧) [الشورى : ٢٧] ، وأشار إليه في آخر العنكبوت في قوله : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٦٢) [العنكبوت : ٦٢] وأوضحه النبي صلىاللهعليهوسلم غاية الإيضاح في الحديث الإلهي : «إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده الغنى» وبالعكس ، وكذلك ذكر في العافية والبلاء ثم قال : «إني أدبر عبادي بعلمي فيهم ، إني عليم خبير» (١).
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢١) [الشورى : ٢١] يحتج بها الظاهرية على إبطال القياس ، لأنه شرع لما لم يأذن به الله ، وجوابه بالمنع ، والله ـ عزوجل ـ أذن فيه بالأمر باتباع الرسول ، وقد فعله الرسول صلىاللهعليهوسلم في عدة قضايا ، والله ـ عزوجل ـ استعمله في أدلة التوحيد والمعاد كثيرا ، كما قررناه في مواضعه من هذا الكتاب وغيره. وقد شدد أبو محمد بن حزم النكير على القياسين حتى كاد يكفرهم ، معتلا بأنه شرعوا ما لم يأذن به الله ـ عزوجل ـ وذلك في كتاب : «إبطال الرأي» له ، ثم إنه زعم أن الله ـ عزوجل ـ قادر على أن يتخذ ولدا كما سبق في سورة الزمر ، وهذا من أعجب الأشياء وأشد الانحراف عن سنن الاعتدال ؛ إذ يكفر المسلمين في مسألة / [١٨١ أ / م] فرعية تتعلق بالعمل ، والتزم الكفر في مسألة أصولية تتعلق بالعلم ، فهو كما قيل : وحيث وجب أن تسجد بلت.
(ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٢٣) [الشورى : ٢٣] اختلف في القربى ؛ فقيل هي قربى كل مكلف أوصى بمودتها ، فهو كالوصية بصلة الرحم.
__________________
(١) أخرجه الخطيب في تاريخه [٦ / ١٥] ، وابن الجوزي في العلل المتناهية [١ / ٤٤] وابن حبان في المجروحين [٣ / ١٢٦ ـ ١٢٧] وابن عدي في الكامل [٧ / ٢٦٧٣] والحكيم الترمذي في نوادر الأصول [٢ / ٢٣٢] وانظر جامع العلوم والحكم [١ / ٣٥٩].