ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٥٤) [النور : ٥٤] هذا وعيدي محكم نحو : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٤١) [يونس : ٤١] وليس بمنسوخ.
(أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥٥) [النور : ٥٥] يحتج بها الجمهور على صحة خلافة الأشياخ الثلاثة قبل علي ، وتقريره : أن الله ـ عزوجل ـ وعد مؤمني هذه الأمة بالاستخلاف في الأرض وتمكين الدين وتبديل خوفهم بالأمن ، ووعد الله ـ عزوجل ـ واقع لا محالة ، ثم لا يخلو أن يكون المراد بالذين آمنوا المستخلفين في الأرض عليا وحده ، أو عموم مؤمني الأمة ، أو عموم خلفائها ، أو الأشياخ الثلاثة الخصوص وليس المراد عليا وحده ؛ لأن الوعد للذين آمنوا ، وعلي وحده ليس جمعا ولا يصح التعبير عنه بلفظ الجمع إلا مجازا من باب العام أريد به الخاص ولا ضرورة إليه ، سلمنا أنه المراد لكن الآية تضمنت أن استخلافه كاستخلاف من قبله ، الذين قبله الأشياخ الثلاثة ، فيلزم صحة استخلافهم [كصحة استخلافه] تحقيقا للتشبيه ، وإلا لزم بطلان استخلافه تحقيقا للشبيه أيضا وإنه باطل / [١٤٦ ب / م] باتفاق ولا يجوز أن يكون المراد عموم مؤمني الأمة إذ لم يستخلف كل واحد منهم ولا حاجة إلى ذلك ؛ إذ الخلفاء رعاة وواحد من كل عصر يكفي ، فتعين أن المراد إما الأشياخ الثلاثة على الخصوص فيحصل المقصود ، أو عموم خلفاء الأمة فيحصل أيضا لاندراج الأشباح الثلاثة تحت عموم الخلفاء ، هذا أحسن ما قرر به الدليل من هذه الآية.
واعترضت الشيعة [أبعدهم الله] بأن قالوا : لا نسلم أن الاستخلاف هاهنا من الخلافة التي هي الإمامة والسلطنة ، وإنما هو من الخلف المقابل للسلف ، وقولهم : خلف فلان فلانا على زوجته أو ماله ونحوه ، وحينئذ لا دلالة في الآية على ما ذكرتم أصلا ، ويكون الخطاب لجميع الأمة أنهم يخلفون من تقدمهم من الأمم في الأرض كما قال عزوجل : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١٤) [يونس : ١٤] وقد أنجز الله ـ عزوجل ـ وعده بأن جعل هذه الأمة خلفاء في الأرض عمن قبلها من الأمم ولا تعرض في ذلك للخلافة والإمرة أصلا ، سلمنا ذلك لكن الموعود باستخلافه هو المهدي عند نزول عيسى ، يمكن الله له الدين بعد اضطرابه بالدجال ، ويبدل به الخوف أمنا والجور عدلا ، أما في أول الإسلام فتمكين الدين / [٣١٠ / ل] وتبديل الخوف حصل