وعلى تبليغ وإصابة ، وهما لله ـ عزوجل ـ ف (وَما رَمَيْتَ) باعتبار هذين (إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) باعتبار الأولين ، وهما عند الجمهور كسب له لا خلق.
(وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٣) [الأنفال : ٢٣] هذا ظاهره مشكل لأنه على صورة قياس مركب من شرطيتين ؛ ينتج من الشكل الأول : لو علم الله فيهم خيرا لأعرضوا عن الحق ، وذلك يستلزم خلاف مقتضى العلم الأزلي ، وأنه محال ، وأجيب عنه من وجهين : أحدهما : أن معناه : لو أسمعهم على تقدير أن لا يعلم فيهم خيرا لأعرضوا ، وتقريره : أن الجملة المذكورة متضمنة قياسين استثنائيين حذف من كل واحد منهما مقدمته الاستثنائية لظهورها ، أحدهما : لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ، لكنه لم يعلم فيهم خيرا فلم يسمعهم.
والثاني : لو أسمعهم لتولوا ، أي : على تقدير ألا يعلم فيهم خيرا كما دل عليه الاستثناء قبله ، لو أسمعهم لتولوا لكنه لم يسمعهم ، يعني الدواب البكم الصم ، فلم يتصور منهم التولي والإعراض. هذا تقريره على رأي المفسرين.
الثالث : على رأي المنطقيين : أن شرط إنتاج / [٩٧ أ / م] الشكل الأول كلية كبراه ، والكبرى هاهنا وهي (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) [الأنفال : ٢٣] ليست كلية إذ ليست مسورة بكلما ونحوها على ما عرف في موضعه ، فلذلك لم تنتج الأشكال المذكورة.
وفي هذه الآية إشارة إلى ما قررناه في سر القدر في مقدمة هذا الكتاب ، وهو أن الله ـ عزوجل ـ لو فرض أعمال العصاة إليهم لما كانت إلا معصية بحسب علمه فيهم ، فرجح جانب الجبر ، وأجراهم على مقتضى العلم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٢٤) [الأنفال : ٢٤] أي : يخلق الدواعي والصوارف في القلب يحول بين المرء وإرادته ، فربما أراد الإنسان بطبعه ، أو عقله شيئا فيخلق فيه الصارف عنه والداعي إلى خلافه.
ومن هاهنا أخذ بعض العارفين حين سئل : بما ذا عرفت ربك؟ فقال : بنقض العزائم ، أي إنه يعزم على شيء فينقضه الله ـ عزوجل ـ عليه بما يخلقه في قلبه من الصارف عنه ، وهذا من أدلة الجمهور على المعتزلة ؛ لأن فعل الإنسان إنما يتم بإرادته ، وإذا حال الله ـ عزوجل ـ بينه وبين إرادته امتنع مقتضاها ووجب مقتضى الصارف ، مثاله لو أراد أن يصلي