يَرْشُدُونَ) (١٨٦) [البقرة : ١٨٦] أو مقيد لمطلقه ، كما مر.
(فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٤٣) [الأنعام : ٤٣] وما / [٧٦ ب / م] قبلها تدل على أن الله عزوجل ـ قد يمتحن عباده بالبأساء والضراء والمصائب ؛ رياضة لأنفسهم على الذل والضراعة ، وإليه الإشارة ب (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) (٩٤) [الأعراف : ٩٤] ، ويدل على أن التضرع عند النوازل من أنجع الوسائل ، ووجهه أن كبرياء الإله ـ جل جلاله ـ يقتضي له الضراعة والذل ممن دونه ، فمن فعل ذلك رحم ، كقوم يونس عليهالسلام لما أظلهم العذاب تضرعوا ، فسلموا ، ومن قسى قلبه فلم يتضرع فقد أخل بوظيفة الكبرياء ؛ وعرض نفسه للهلاك.
ومثل هذا بعينه يجري مع ملوك الأرض ، من ضرع لهم سلم ، ومن تجلد عليهم قصم ، وهو أنموذج لما ذكرنا ، ويقال : إن النمر يواثب الإنسان ما دام منتصب الشخص ، فإذا نام تركه ، وفي الأثر أن الله ـ عزوجل ـ أوحى إلى داود ـ عليهالسلام ـ : يا داود ، خفني كما تخاف الأسد.
ومن كلام بعض الحكماء : القضاء والقدر سبعان ، فتماوت بين أيديهما ، فإن السبع لا يأكل الميتة. وهذه المسألة تتعلق بصفة الكبرياء.
(فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٤٣) [الأنعام : ٤٣] مع قوله ـ عزوجل ـ (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٠٨) [الأنعام : ١٠٨] فالله ـ عزوجل ـ يزين ما يشاء بخلق الدواعي إليه والصوارف عن غيره ، والشيطان يزين بالوسوسة وهي سبب ضعيف ، إنما جيء به لإقامة الحجة على الشيطان وفتنته ، من نسب إيجاد الشر إليه بالظلم والعدوان. (الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) (٧٦) [النساء : ٧٦] والعلة التامة الموجبة لكل شيء هي إرادة الله ـ عزوجل ـ وتصرفه.