أي : من الكفر بالإسلام (لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) [المائدة : ٧٣] أي : المستمرين على الكفر منهم (عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧٣) [المائدة : ٧٣].
(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٧٥) [المائدة : ٧٥] اعلم أن هذه الجملة تضمنت نفي إلهية المسيح ؛ خلافا للنصارى ، وإثبات رسالته ، خلافا لليهود.
أما نفي إلهيته فقد سبق عليه أدلة ، وقد استدل الله ـ عزوجل ـ عليه هاهنا بقوله : (كانا) [المائدة : ٧٥] يعني هو وأمه مريم (يَأْكُلانِ الطَّعامَ) [المائدة : ٧٥] وهو كناية عن شيئين :
أحدهما : أنهما كانا يفتقران إلى أكل الطعام المقيم للبنية ، وكل مفتقر إلى ذلك فليس بإله ؛ ينتج أنهما ليسا بإلهين.
الثاني : / [٦٩ ب / م] كانا يحتاجان إلى الخلاء وقضاء الحاجة ، وكل من احتاج إلى ذلك فهو حادث ، وكل حادث فليس هو بقديم ، وكل من ليس بقديم فليس هو بإله ؛ ينتج أنهما ليسا بإلهين.
ولما علم النصارى بقوة هذه البراهين / [١٤٧ / ل] وكونها مبطلة لدعواهم ـ فزعوا إلى شبهة سولها لهم الشيطان ؛ فزعموا أن المسيح جملة مركبة من ناسوت ظاهر ، ولاهوت باطن ، وأنه كان يأكل ويشرب ويقضي الحاجة ، ويألم من جهة ناسوته ، ويفعل المعجزات ويظهر الخوارق من جهة لاهوته.
قالوا : وحينئذ ما ذكرتموه من البرهان إنما يدل على نفي الإلهية والقدم عن ناسوته فقط لا عن لاهوته ، وهذا بناء منهم على أن اللاهوت حل في جسد المسيح ، وقد سبق بطلانه.
ولنذكر هاهنا من ذلك وجهين : أحدهما أن المعقول من الحلول إحاطة المحل بالحال كإحاطة الظرف بالمظروف ، فلو حل اللاهوت هيكل المسيح لكان جسد المسيح أكبر مما حل فيه ، فيكون الجسد البشري أعظم من الذات الإلهية ، وأنه محال.
الوجه الثاني : أنه لو عورضوا بمثل دعواهم في جميع الأنبياء وأنهم ركبوا من ناسوت ولاهوت ، وأنهم أكلوا الطعام بناسوتهم ، وأظهروا المعجزات بلاهوتهم لم يجدوا عن ذلك جوابا ، ولا أمكنهم الانفصال عنه بطائل غير أنهم يقولون : ولد من غير أب فينتقض عليهم