(لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (١٦٦) [النساء : ١٦٦] ونظيره : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٤) [هود : ١٤] ، اعلم أن الناس اتفقوا إلا من عساه شذ منهم على أن الله ـ عزوجل ـ عالم قادر مريد حي متكلم سميع بصير قديم باق.
ثم اختلفوا ، فالجمهور على أنه كذلك لمعان قديمة زائدة على مفهوم ذاته ، قائمة بها كالحياة والعلم والقدرة وكذلك سائرها.
وذهب المعتزلة ومن تابعهم إلى أن لا صفة هناك ثبوتية زائدة ، ثم اختلفوا ، فقال بعضهم : معنى كونه عالما قادرا حيا : أنه ليس بجاهل ولا عاجز ولا ميت ، وكذلك سائرها ويسمون السلبية.
وقال آخرون : هو كذلك لمعان ليست موجودة ولا معدومة ، وهي مشتقة من المعاني الثبوتية سموها أحوالا كالعالمية والقادرية والحيية ، وهي كونه عالما قادرا حيا ، حجة الجمهور هذه الآية (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (١٦٦) [النساء : ١٦٦] دل على أن له علما [والمعقول منه] صفة ثبوتية زائدة ، وأيضا القرآن عربي ولغة العرب أن العالم من قام به العلم ، وهو وصف ثبوتي ، وأيضا (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٠٧) [هود : ١٠٧] مع أن الفعل مشتق من المصدر ، وهو الإرادة ، وقد وجد الفعل المشتق ، فوجب أن يكون الإرادة المشتق منها موجودة ، وإذا ثبت هذا في العلم والإرادة ، وجب مثله في باقي الصفات ، إذ لا قائل بالفرق ، وتأول الخصم (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) على معنى أنزله وهو يعلمه احترازا من أن / [١٢٣ / ل] يكون ساهيا أو غافلا. حجة الخصم : لو كان عالما بعلم قائم بذاته زائد على مفهومها قديم ، لزم تعدد التقديم ، وأيضا افتقار الذات إلى غيرها في كمالها وهما محالان ، وجوابه أن المحال إنما هو تعدد الذوات القديمة ، لا الذات والصفات ، وكذلك افتقار الذات إلى / [٥٨ ب / م] غيرها في وجودها ، هو المحال لا في غيره ، وافتقارها إلى غير خارج عنها ، لا إلى غير قائم بها ، لا ينفك عنها مع أن المحال الذي ادعاه أصحاب الأحوال لا موجودا ولا معدوما غير معقول.
واستقصاء البحث في هذا في موضع آخر ، وإنما هذا إشارة إلى مأخذ المذهبين.