لا يأمر بالفحشاء ، أو على أن الشر لا يتقرب به إليك ، أو أنه لا يصعد إليك
لمفهوم (مَنْ كانَ يُرِيدُ
الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ
عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) (١٠) [فاطر : ١٠] وهو تأويل قريب جيد.
(لا يَتَّخِذِ
الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ
يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ
تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (٢٨) [آل عمران : ٢٨] ، احتج بها الشيعة على جواز التقية خلافا للجمهور.
واعلم أن مسألة
التقية مشهورة ينبغي فصل الخطاب فيها ، فنقول : احتج الجمهور على بطلانها وتحريم
استعمالها بأن قالوا : التقية نفاق ، والنفاق حرام ، فالتقية حرام ، أما أن التقية
نفاق فلاتفاقهما في الحد / [٧٧ / ل] والحقيقة إذ كل واحد منهما إبطان أمر وإظهار
خلافه خشية الضرر ، وأما أن النفاق حرام ، فلورود الشرع بذم المنافقين عليه ،
وتوعدهم بالدرك الأسفل من النار ، ولو لا تحريمه لما كان كذلك ، فثبت أن التقية
حرام ؛ ولأنها لو جازت لجاز إظهار الكفر من الأنبياء تقية ، وأنه باطل.
احتج الشيعة
على جواز التقية بالكتاب والسّنّة ، وفتاوى الأئمة والنظر ، أما الكتاب فمنه آيات
: الأولى : هذه الآية (لا يَتَّخِذِ
الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ
يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ
تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (٢٨) / [٣٧ أ /] [آل عمران : ٢٨] وقرئت «تقية» بنفس اللفظ المتنازع فيه.
ووجه
دلالتها : أن الله ـ عزوجل ـ حرم موالاة الكفار تحريما مغلظا حتى حكم بأن من
يتولهم فإنه منهم ، ثم إنه أباح موالاتهم على سبيل التقية ، فدل على تأكد جوازها
حيث أباحها فيما هو مكفر بدونها.
الآية الثانية
قوله ـ عزوجل ـ : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ
مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ
وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ
عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٠٦) [النحل : ١٠٦] فأباح إظهار الكفر تقية مع إبطان الإيمان.