من الغي واضحا في كل شيء ، بل الأمور كلها إما أمر تبين رشده أو أمر تبين غيه ، فهذان طرفان واضحان / [٣١ أ / م] أو أمر اشتبه رشده بغيه ، وهو واسطة بينهما فحكمها أن يستعمل فيها النظر والاستدلال ، ولا بد معه من مساعدة التوفيق والهداية الربانية.
(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢٥٦) [البقرة : ٢٥٦] هذه الجملة عامة مطردة.
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٥٧) [البقرة : ٢٥٧] اعلم أن ولاية الله ـ عزوجل ـ لخلقه على أقسام ؛ عامة وخاصة وأخص.
فالعامة ؛ ولايته للمؤمنين باعتبار الإيمان يدخل فيها العدل والفاسق والمتبع والمبتدع وغيرهم ، وإذ لو لا توليته إياهم وعنايته بهم لما وفقهم للإيمان وأخرجهم من ظلمات الكفر والطغيان.
والخاصة ؛ وهي ولاية الصالحين.
والأخص ؛ ولاية المقربين.
فالآية المذكورة عامة مطردة بالاعتبار / [٦٤ / ل] الأول لا غير.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٥٧) [البقرة : ٢٥٧] عام بشرط الموافاة على الكفر.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢٥٨) [البقرة : ٢٥٨] تضمنت هذه الآية مناظرة بين إبراهيم ونمروذ فلنقرها وهي في إثبات إلهية الله ـ عزوجل دون نمروذ ، قال إبراهيم : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ،) وهذا استدلال منه ـ عليهالسلام ـ معناه : إنك يا نمروذ لست ربي ولا رب غيري ؛ لأنك تحيي ولا تميت ، والرب حقيقة هو من يحيي ويميت فأنت لست برب ، وهذا قياس من الشكل الثاني.