محبوب بالمودّة النفسية ، وهي هوى زائل كلما انقطعت الوصلة البدنية زالت ولم تصل إلى إحدى القيامات فإنها أنشأت من تركيب البدن واعتدال المزاج ، فإذا انحلّ التركيب وانحرف المزاج تلاشت وبقي التضادّ والتعاند بمقتضى الطبائع كقوله تعالى : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ولهذا شبهها ببيت العنكبوت في الوهن في قوله : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ) إلى آخر الآية.
وأما الأخروية فمنشؤها الذات الأحدية والمحبة الإلهية ، وتلك المودّة هي التي تكون بين الأصفياء والأولياء لتناسب الصفات وتجانس الذوات لا تتصفى غاية الصفاء ولا تتجرّد عن الغطاء إلا عند زوال التركيب والبروز عن حجب النفس والبدن في مقام القلب الروح لقربها من منبعها هناك فتصير يوم القيامة محبّة صرفة صافية الهيئة بخلاف تلك.
[٤٥] (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥))
(اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ) أي : فصّل ما أجمل فيك من كتاب العقل القرآني بسبب الوحي ونزول كتاب العلم الفرقاني ، وأقم الصلاة المطلقة على ترتيب تفاصيل التلاوة والعلوم. ومعناه : اجمع بين الكمال العلميّ والعمل المطلق ، فإن لك بحسب كل علم صلاة وكما أن العلوم إما نافعة تتعلق بالآداب والأعمال وإصلاح المعاش وهي علوم القوى من غيب الملكوت الأرضية ، وإما شريفة تتعلق بالأخلاق والفضائل وإصلاح المعاد وهي علوم النفس من غيب الصدر والعقل العلمي ، وإما كلية يقينية تتعلق بالصفات وهي على نوعين : عقلية نظرية وكشفية سريّة ، وكلاهما من غيب القلب والسرّ. وإما حقيقية تتعلق بالتجليات والمشاهدات ، وهي من غيب الروح ، وإما ذوقية لدنية تتعلق بالعشقيات والمواصلات وهي من غيب الخفاء. وإما حقيّة من غيب الغيوب. وبحسب كل علم صلاة ، فالأولى هي الصلاة البدنية بإقامة الأوضاع وأداء الأركان ، والثانية صلاة النفس بالخضوع والخشوع والانقياد والطمأنينة بين الخوف والرجاء ، والثالثة صلاة القلب بالحضور والمراقبة ، والرابعة صلاة السرّ بالمناجاة والمكالمة ، والخامسة صلاة الروح بالمشاهدة والمعاينة ، والسادسة صلاة الخفاء بالمناغاة والملاطفة ، ولا صلاة في المقام السابع لأنه مقام الفناء والمحبة الصرفة الفناء في عين الوحدة. وكما كان نهاية الصلاة الظاهرة وانقطاعها بظهور الموت الذي هو ظاهر اليقين وصورته كما قيل في تفسير قوله تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)) (١) ، فكذلك انتهاء الصلاة الحقيقية بالفناء المطلق الذي هو حق اليقين. وأما في
__________________
(١) سورة الحجر ، الآية : ٩٩.