إنّ المسألة تكمن في كون الإنسان يميل فطرياً إلى الحياة الاجتماعية ، ويعود الفضل في رُقيه وتطوره إلى حياته الاجتماعية ، فمن خلال هذه الحياة تتلاقح أفكار العلماء والمفكرين وتتآزر الاكتشافات والاختراعات والإبتكارات العلمية الموجودة في المجتمع وتنتقل من جيل إلى جيل آخر ، ففي كل يوم نشهد تطوراً وتقدماً ورقياً على صعيد العلوم والتفكر والخصارة الإنسانية.
وأيّاً كان الدافع من وراء الاهتمام بهذا التعايش المشترك فإنّ له موضوعاً مستقلاً للبحث ، ولكن ممّا لا شك فيه إذا كانت حياة الناس مبعثرة ومشتتة شأنها شأن حياة الحيوانات الاخرى لم يكن هناك أي فرق بين إنسان اليوم وإنسان العصر الحجري ، ولا يوجد معنى للعلم والحضارة والاختراع والاكتشاف ولا الصناعات والفنون ولا اللغة والآداب ولا لأي شيء آخر ، إلّاأنّ لهذه الحياة الاجتماعية طواريء ومشاكل إذا لم تتمّ الوقاية منها بشكل صحيح فإنّها تؤدّي إلى حدوث نكبات وويلات تُودي بحياة الأجيال فضلا عمّا يترتب على ذلك من توقفٍ لعجلة التكامل والرقي.
إنّ هذه الافرازات عبارة عن : الصراعات التي تنشأ من تعارض المصالح وتزاحم الحقوق وطلب الاستعلاء ، وحب الاستئثار ، والأنانيات والمنافع الشخصية والتي تؤدّي بدورها إلى حدوث الخلافات والنزاعات والمناوشات الفردية أو الجماعية ونشوب الحروب الأقليمية ، أو الدولية ، ولهذا أدركت المجاميع الإنسانية منذ تلك اللحظة هذه الحقيقة وهي أنّه لو لم توضع المقررات اللازمة لتعيين حدود صلاحيات الأفراد وحقوقهم واسلوب حل المنازعات والد عاوى والمشاجرات ، لانقلبت الموازين الاجتماعية رأساً على عقب وأدّت إلى حدوث كارثة كبرى.
وأساساً إنّما يأخذ المجتمع الواقعي طريقه إلى الوجود والظهور بعد أن تسوده حالة التعاون والتعاضد والتعاطف بين أفراده ، ومثل هذا الأمر لا يتحقق إلّافي ظل وضع القوانين والمقررات ، وفي الواقع ليس هناك مفهوم للتعاون من دون تعهد أخلاقي ، وهذا التعهد بحد ذاته منشأ حدوث القانون.