٦ ـ إيمانه وتضحيته في سبيل هدفه
من القرائن الرئيسة الاخرى لمعرفة المدعين للنبوّة الصادقين من الكاذبين هو إيمانهم بما يدّعونه وتضحيتهم وايثارهم في سبيله ، ولأنّ المدعين الكاذبين مطّلعون على حقيقة الأمر فإنّهم بالطبع لا يضحون كثيرا في سبيل هدفهم ، بالإضافة إلى أنّهم مستعدون للمساومة وتحريف مدعياتهم ، في حين أنّ الصادقين منهم لا يُجوِّزون لأنفسهم أيّاً من ذلك.
صحيح أنّ هذا الأمر بمفرده غير كاف ، ولكن يعتبر قرينة جيدة تضم إلى القرائن الاخرى.
ولم ير في أيٍّ من كتب التاريخ أنّ نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله قد تراجع أو تنصل عن معتقداته ، أو فرَّ من ميدان الجهاد ، وحتى في معركة (احد) عندما وصلت الحرب إلى أقصى درجات الشدة وفرّ من ساحة المعركة أغلب الجيش (أو كله عدا علياً عليهالسلام وبعض المخلصين والتجأوا إلى مكان ليضمنوا نجاتهم ، هنالك حيث بقي النبي صلىاللهعليهوآله صامداً في الميدان ، محتملاً أذى الجراحات بسبب اصابته في جبهته وأسنانه ولم يبق له في الظاهر أي أمل في النجاة ولكنه ظل صامداً.
وفي قصة (مرض أبي طالب) وطلب قريش منه ـ التي قرأناها في بداية الجزء السابق ـ أن يعرض على النبي صلىاللهعليهوآله أن يكفَّ عن محاربته لعبادة الأصنام ، ويكف عن الدعوة إلى الإله الواحد الأحد ، قال صلىاللهعليهوآله : «لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ماتركته» (١).
ونقرأ في قصة اخرى : إنّ قريشاً جاءت للنبي صلىاللهعليهوآله وأعطته وعداً بأنّ تضع تحت اختياره من المال مايجعله أغنى رجال مكة ، وأن يُزوِّجوه أي امرأة يريدها ، ويجعلوه عليهم سيداً ، بشرط (أن يدع تسفية أصنامهم. وقالوا له : إذا لم تقبل فلدينا اقتراح آخر ينفعك وينفعنا وهو أن تعبد الهتنا مثل (اللات) و (العزى) عاماً ونحن نعبدُ آلهتك عاماً لنرى ما تكون العاقبة) ،
__________________
(١) تفسير جامع البيان ، ج ٢ ص ٦٧.