٥ ـ شيوع الفساد الأخلاقي
لقد بلغ الفساد الأخلاقي أعلى درجاته عند عرب الجاهلية فقد كانت تحكمهم عداوات شديدة وأحقاد موروثة من السلف إلى الخلف ، لم تقتل الأخلاق فحسب بل إنّ كل شيء في المجتمع ذهب ضحية لهذه العداوات وقد بيّن القرآن الكريم ذلك للعرب الذين مَنَّ اللهُ وتعالى عليهم بالإسلام بقوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَليَكُم اذْ كُنْتُم اعدَاءً فَالَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُم فاصبَحْتُم بِنِعمَتِهِ اخوَاناً وَكُنْتُم عَلى شَفَا حُفرَةٍ مِنَ النَّارِ فَانقَذَكُم مِّنهَا). (آل عمران / ١٠٣)
و «الشفا» : كما جاء في «مقاييس اللغة» هي الإشراف والتسلُّط على الشيء و «الشفا» هنا يطلق على الأشياء التي يشرف الإنسانُ عليها ، مثل الإشراف على جوانب الحفرة أو حافة الوادي أو حافة النهر ، وكذلك (شفة) الإنسان على جانبي فمه ويُطلق أيضاً على تحسن صحة المريض لأنّه يتسلط ويتغلب على المرض.
وعلى أيّة حال فقد شبَّه القرآن الكريم حياة عرب الجاهلية بمن يقف على شفا حفرة من النار ليسقط فيها بسهولة ، نار تحرق كل شيء وتحوله إلى رماد.
كانت العداوة والنفاق والاختلافات مطبوعةً في نفوسهم وحاكمةً عليهم بحيث صرح القرآن الكريم لنبيّ الإسلام محمد صلىاللهعليهوآله : إنّ من المستحيل القضاء على هذه الاختلافات بالطرق العادية وإيجاد الاتحاد والوحدة بينهم إلّابمعجزة إلهيّة ، وقد حصل ذلك على يد الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله بإذن الله : (لَو انفَقتَ مَا فِى الأَرضِ جَمِيعاً مَّاأَلَّفتَ بَينَ قُلُوبِهِم وَلَكنَّ اللهَ أَلَّفَ بَينَهُم). (الانفال / ٦٣)
إنَّ معاقرة الخمر واللعب بالميسر والأزلام كانت متفشية بحيث كان من الصعب القضاء عليها بمرحلة واحدة ، لذلك جاء أمر تَحريم الخمر على عدّة مراحل (١).
كما أنّ أحد أكبر المفاسد الأخلاقية والاجتماعية هو مسألة (حقوق المرأة) في مجتمع عرب الجاهلية ، فقد وصلت إلى الحد الذي يتفق مع ما قاله بعض المفسرين : إنّه عندما تحين ولادة المرأة في العصر الجاهلي تحفر حفرة وتجلس على شفتها فإن كان المولود بنتاً
__________________
(١) والتفصيل في ذلك جاء في التفسير الامثل ذيل الآية ٩٠ من سورة المائدة.