بحيث أدّى هذا المشهد المثير إلى استياء الرجل اليهودي صاحب البيت وقلقه ، وقال في نفسه إن كان هذا نبياً وواقفاً على سيرة هذه المرأة لصدها عن هذا العمل على الأقل ، المسيح بفراسته علم بذلك ، وأقنعه بذلك من خلال المثال الذي ضربه في صدد الشخصين المديونين وأعرب له : إنني كنت ضيفك إلّاأنّك لم تقم بما قامت به المرأة المنحرفة من حسن الضيافة ، فأنت لم تغسل رجليَّ بالماء وهي غسلته بدموع عينيها وأنت لم تقبلني وهي قبلت رجليَّ بلا انقطاع ، ولم تدلك رأسي بالدهن وهي دلكت رجلي بالعطر.
والآن لنبدأ قليلاً بتحليل هذه القصة ، لنرى هل من المناسب لهذا النبي العظيم وحتى لمؤمن عادي أن يضع نفسه تحت تصرف امرأة عاهرة كي تعامله بمثل هذه المعاملة.
أولاً : إنّ السيد المسيح عليهالسلام كان شاباً يناهز عمره الثلاثين عاماً في ذلك العصر ، ولابدّ أن تكون تلك المرأة العاهرة شابة وجميلة أيضاً ، ولا يعقل أن تكون قبيحة المنظر منهوكة القوى في الأعم الأغلب فكيف يتأتى لنبي عظيم بعث لتهذيب الأخلاق ونشر مظاهر التقوى أن يسمح لامرأة فاجرة بأن تتمسّح برجليه مرات متعددة ثم تغسهما بدموع عينيها وتجففهما بشعرها الناعم وتدهنهما بيديها الظريفتين وتطبع عليهما قبلات حارة ، فهل يُعقل هذا؟
وعلى فرض أنّها أرادت التوبة من وراء ذلك فإنّ للتوبة حدوداً وقيوداً أيضاً ، وهل سبق لأحد إلى يومنا هذا أن يتعامل مع أحد الروحانيين أو الرهبان العاديين بمثل هذه المعاملة ، حتى تصل إلى نبي من أنبياء الله؟
وعلى كل حال فالآثار الخرافية لهذه الرواية ظاهرة من بين ثناياها بصورة كاملة ، فضلاً عن أنّ ما ذكره السيد المسيح عليهالسلام من المثال لا يعتبر جواباً عن استفسار اليهودي على الاطلاق.
فإشكال اليهودي لم يقع على عظم محبّة هذه المرأة حتى يأتي الجواب على أنّ عظم محبتها وشدّة تعلقها ناتج عن كثرة ذنوبها ، وإنّما وقع للاستفسار عن السبب في سماح نبي من أنبياء الله بأنّ تمسح أمراة عاهرة وسيئة السمعة برجليه إلى هذه الدرجة ثم تغسلهما