وغالباً ما رأينا بأمّ أعيُننا في حياتنا اليوميّة نماذج من هذه المسألة بحيث لا يبقى لنا مجال للشّك في وجود هذه العلاقة والآصرة بصورة إجمالية.
والقرآن المجيد أيضاً علاوةً على إشارته إلى هذه المسألة كأصل كُلّي ، فقد وضع إصبعاً على مواضع خاصّة أيضاً ، وأشار إلى الأقوام الذين ذاقوا أشدّ العذاب كعقوبة دنيويّة ، وإليكم أدناه نماذج من كلا القسمين :
١ ـ (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُّطمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بِمَا كَانُوا يَصنَعُونَ). (النحل / ١١٢)
إنَّ هذه الحادثة سواء كانت تُشير إلى مصير جماعة من بني إسرائيل ، أو الى قوم سبأ ، أو كانت مثلاً عامّاً ـ وردت كل من هذه الاحتمالات في كلام المفسّرين ـ فإنّها شاهدٌ حي على موضوع بحثنا ، وتوضح وجود العلاقة فيما بين الذنب وقسم من المصائب.
فلو دخل جماعة مدينةً معينة أثناء إصابتها بالقحط ، والخوف ، والبلاء ، دون أن يعرفوا ماضيها ، لكان من الممكن أن يتعجبّوا ، ويستوحشوا ، ويسألوا أنفسهم قائلين : كيف يُمكن أن تتناسب كل هذه التعاسة والبلاء مع عدالة الله سبحانه!؟
ولكنهم عندما يطّلعون على ماضيها يُقرّون بعدالة الجزاء ، وأحياناً يرونَهُ أقل من الإستحقاق.
٢ ـ بخصوص (فئات) من الأمم السابقة أُصيبت كل فئةٍ منها بعقوبة معينة بسبب ما ارتكبت من الذنوب.
قال تعالى : (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنهُمْ مَّن أَرْسَلنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهم مَّن أَخَذَتْهُ الصَّيحَةُ وَمِنْهُمْ مَّن خَسَفْنا بِهِ الأَرضَ وَمِنهُم مَّن أَغْرَقنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظْلِمُونَ). (العنكبوت / ٤٠)
ووِفقاً لهذه السنّة فقد أصاب قومَ عادٍ حاصبٌ هدّم منازلهم ، وهلكَ قومُ ثمود بالصاعقة ، وخسفت الأرض بقارون ، وغرِقَ فرعون ووزيره هامان في البحر ، فإنّ هذا البلاء المتنوع لا يُنافي أصل العدل الإلهي فقط ، بل يعتبر عين العدالة لأنّ الجميع كانوا مستحقّين لذلك.