أجلْ إنَّ أمر الله تعالى نافذ ، فالماء والهواء والتراب كلّها مُسلمة لأوامره تعالى ، ولأنّهم لا يلتفتون إلى هذه الحقيقة يتيهون في عالم الأسباب فيفرحون إذا ما كانت الأسباب مساعدة ويقنطون بخلافها ، في حين لو كان لهم إيمان بغلبة الباري وقاهريته لما دبَّ اليأس في قلوبهم أبداً ، ولما غرّتهم الإنتصارات أيضاً.
وبالمناسبة ، إنّ الآية المذكورة تحدّثت عن يوسف عليهالسلام الذي أراد إخوته أن يقتلوه ولكنهم ألقوه في غيابة الجبّ ، آملين أنْ يخلُوَ لهم وجه أبيهم (أي حبّه) ، لكن الله جعل كيدهم سبباً في وصوله إلى السلطة!
أجل ، إنّ من إحدى أشكال قاهرية الله ، هي أن يجعل وسائل غلبة ونجاة الإنسان على يد عدوّه في أكثر الأحيان ، وهذه هي الحقيقة التي يجهلها أغلب الناس ولا يعلمونها.
* * *
٥٥ ـ السلام ٥٦ ـ المؤمن
إنَّ صفة (السلام) هي اسمٌ آخر من أسماء الله الحسنى التي لها معنيان ، فعلى أساسٍ تعتبر من صفات الذات ، وعلى أساسٍ آخر تُعدُ من صفات الفعل ، فإذا كانت صفة (السلام) بمعنى ـ السلامة من أي لونٍ من العيوب والنقائص والآفات ـ فهي من صفات الذات (الصفات السلبيّة) وهي تناظر صفة (القدّوس) تقريباً ، أمّا لو كانت بمعنى ـ سلامة الناس من ناحيته تعالى ، وتركه لأي لونٍ من ظلم العباد ورعايته للعدل والإنصاف معهم ـ لصارت من صفات الفعل.
أجل ، إنّه سلامٌ لدرجة بحيث لايستوحش أو يهاب سالكو طريق قربه من صدور ظلمٍ أو إجحافٍ من ناحيته سبحانه ، علاوةً على ذلك ، فهو المؤمن الذي يمنح أحبائه السكينة والأمان ، وقد وردت هذه الصفة في موضعٍ واحدٍ فقط من القرآن الكريم وهو قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِى لَآإِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ المُؤمِنُ). (الحشر / ٢٣)
* * *