وقد ورد نفس هذا المفهوم في مقدمة الدفتر الخامس لكتاب المثنوي بنحوٍ آخر ، يقول : «يصح ذلك إذا بلغت المقصود ، لذا فقد قالوا : لوظهرت الحقائق بطلت الشرائع! ، وشبّه الشريعة بعلم الكيمياء (العلم الذي يمكن بواسطته استخلاص الذهب من النحاس) فقال : ماحاجة الذهب الأصيل ، أو الذهب المستخلَص إلى علم الكيمياء!؟ فكما قالوا : طلب الدليل بعد الوصول إلى المدلول قبيح!» (١).
وقد نُقلَ عن (صاحب المواقف) في كتاب (دلائل الصدق) في شرح (نهج الحق) قوله بأنّ نفي (الحلول) و (الإتحاد) ثلاث طوائف ، واعتبر بعضَ المتصوّفة من الجماعة الثانية وقال : إنّ كلامهم متذبذب بين الحلول والإتحاد (يُقصد بالحلول نفوذ الله في الأشياء ويُقصد بالإتحاد الوحدة بينه وبين الأشياء).
ثم أضاف قائلاً : رأيتُ بعض (المتصوّفة الوجوديين) يُنكرون الحلول والإتحاد ، ويقولون : توحي هاتان الكلمتان بمغايرة الله للمخلوقين ، ونحن لا نؤمن بذلك! فنحن نقول : (ليس في دار الوجود غيره ديّار)!!
وهنا يقول صاحب المواقف : إنّ هذا العذر أقبح من الذنب (٢).
وبالطبع فإنّ للمتصوفة الكثير من قبيل هذا الكلام الذي لا يتناسب مع الموازين ومنطق العقل ، ولا مع منطق الشرع.
وعلى أيّة حال فإنّ الأتحاد الحقيقي بين شيئين محالٌ ، كما ورد في كلام المرحوم العلّامة ، لأنّ هذا الكلام عين التّضاد ، فكيف يُمكن لشيئين أن يصيرا شيئاً واحداً ، إضافةً إلى ذلك فلو اعتقد أحدٌ باتحاد الله مع جميع المخلوقات أو خواص العرفاء والواصلين ، لاستلزم أن يتصف بصفات الممكنات كالزمان ، والمكان ، والتغيُّر ، وما شاكل ذلك.
وأمّا بخصوص (الحلول) ، أي نفوذ الله في الأشياء ، فيستلزم خضوعه للمكان ، وهذا
__________________
(١) دفتر المثنوي الخامس ، ص ٨١٨.
(٢) دلائل الصدوق ، ج ١ ، ص ١٣٧.