(الصدّيقين) الذين يستشهدون به (تعالى) عليه ، ثمّ يستشهدون بذاته على صفاته وبصفاته على أفعاله ، واحداً بعد واحد ، وغير هؤلاء (كالمتكلّمين ، والطبيعيين وغيرهم) يتوسّلون إلى معرفته (تعالى) وصفاته بواسطة إعتبار أمر آخر غيره (كالإمكان للمهيّة ، والحدوث للخلق ، والحركة للجسم ، أو غير ذلك) وهي أيضاً دلائل على ذاته ، وشواهد على صفاته ، لكن هذا المنهج أحكم وأشرف.
وقد اشير في الكتاب الإلهي إلى تلك الطرق بقوله (تعالى) : (سَنُرِيهِم آيَاتِنَا فِى الافَاقِ وَفِى أَنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ) وإلى هذه الطريقة بقوله (تعالى) : (أَوَ لَم يَكفِ بِرَبِّكَ انَّهُ عَلَى كُلِّ شَىءٍ شَهِيدٌ).
ثمّ يضيف : وذلك لأنّ الربّانيين ينظرون إلى الوجود ، ويحقّقونه ويعلمون أنّه أصل كلّ شيء ، ثمّ يصلون بالنظر إليه إلى أنّه بحسب أصل حقيقته واجب الوجود ، وأمّا الإمكان والحاجة والمعلولية وغير ذلك فإنّما تلحقه لا لأجل حقيقته بما هي حقيقته ، بل لأجل نقائص وأعدام خارجة عن أصل حقيقته» (١).
وباختصار عند ملاحظة الوجود الحقيقي نجد أنّه لا يجتمع مع العدم أبداً ، ولا يسمح للعدم أن يتطرّق إليه وذلك لأنّ الوجود والعدم متقابلان ، وهكذا إذا لاحظنا العدم فإنّا نجده يطرد الوجود عن ذاته ، وعليه فإنّ حقيقة الوجود واجبة الوجود ، والعدم ممتنع الوجود.
والإشكال المهمّ الذي يتبادر إلى الذهن والذي بادر صدر المتألّهين للإجابة عنه في الأسفار هو أنّ كلّ موجود ـ وفق هذا الاستدلال ـ يجب أن يكون واجب الوجود ، لأنّ هذا الاستدلال يجري في كلّ مورد في حين نرى أنّ الممكنات حادثة وليست أزلية ولا أبدية ولا واجبة الوجود.
الإجابة : لابدّ من الإلتفات إلى هذه النقطة وهي أنّ الوجودات الممكنة ليست وجودات أصيلة ، بل هي وجودات محدودة ومصحوبة بالعدم وهذا العدم ناشيء من محدوديتها ، وما
__________________
(١) راجع الأسفار ، ج ١ ، ص ١٥ (بتلخيص يسير) ، كما ورد نظير هذا المعنى في حاشية الأسفار للمحقّق السبزواري ، ج ٨ ، ص ١٤.