«تعتبر هذه القضيّة من القضايا التاريخية والنفسية الأساسية لدى الفيلسوف ، فهو لا يقول بأنّ الأديان مملوءة باللغو والباطل بل يلتفت إلى هذه الحقيقة وهي أنّ الدين كان مع التاريخ منذ أقدم العصور» (١).
ويقول في تعبير آخر بهذا الشأن : «أين تكمن التقوى التي لا تفارق قلب الإنسان أبداً؟» (٢).
كما يقول في كتابه (دروس التاريخ) وبتعبير ساخط ومتألّم : «للدين مائة روح ، كلّما تقتله فإنّه يسترجع الحياة مرّة اخرى!» (٣).
ولو كان الإيمان بالله والدين ناشئاً عن تقليد أو تلقين أو دعاية من قبل الآخرين لما كان عاماً وشاملاً بهذا الحجم ولما استمرّ طيلة التاريخ ، وهذا أفضل دليل على أنّه أمر فطري.
ب) الآثار التاريخية
إنَّ الآثار المتبقّية من عصور ما قبل التاريخ (أي ما قبل اختراع الخطّ وكتابة أحوال الإنسان) تدلّ على أنّ البشر ما قبل التاريخ كانوا يعتقدون بالدين ويؤمنون بالله والمعاد والحياة بعد الموت ، بدليل أنّهم كانوا يدفنون الأشياء التي يحبّونها معهم كي يستفيدوا منها بعد الموت! كما أنّ تحنيط أجساد الأموات حفظاً لها من الإندثار ، وبناء المقابر نظير (أهرام مصر) لتبقى أزماناً متمادية دليل على إيمان الأسلاف بالمبدأ والمعاد.
صحيح أنّ هذه الأعمال تدلّ على اقتران إيمانهم الديني بخرافات كثيرة إلّاأنّها دليل على أنّ الإيمان الديني في مراحل ما قبل التاريخ لا يمكن إنكاره.
ج) الدراسات النفسية واكتشافات علماء النفس
إنّ الأبعاد الروحية للإنسان وميوله الأساسية هي أيضاً دليل واضح على فطرية العقائد
__________________
(١) قصة الحضارة ، ويل ديورانت ، ج ١ ، ص ٨٧.
(٢) المصدر السابق ، ص ٨٩.
(٣) الفطرة للشهيد المطهّري ، ص ١٥٣.