جمع الآيات وتفسيرها
الله مالك الملك :
قال المفسّرون : إنّ الآية الاولى نزلت بعد فتح مكّة ، أو حينما كان النبي الكريم صلىاللهعليهوآله مشغولاً بحفر الخندق قبيل معركة الأحزاب حيث بشّر المسلمين بفتح بلاد فارس والروم وقد اعتبر المنافقون ذلك تخيّلات وتكهّنات وتشبّثاً بالمحالات (١).
وفي هذه الأثناء نزلت الآية المذكورة وأنذرت الجهلاء بأنّ الله مالك كلّ البلدان حيث قالت : (قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِى المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ) وليس الحكومات فقط وليس العزّة والذلّة بل : (بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ) (٢).
وقدرة الله عزوجل على كلّ شيء هي ـ في الحقيقة ـ دليل حاكميته على الأرض والسماء.
ومن الواضح أنّ لمالكية الله بُعداً عامّاً وحقيقيّاً ، في حين ما جاء في المورد الآخر في جملة : (تؤتي الملك من تشاء) يكون له بعد جزئي ومجازي.
ولا دليل على تحديد مفهوم الآية بفتوحات الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله أو عزّة المؤمنين وذلّة اليهود وما شاكل ـ كما يعتقد بعض المفسّرين ـ بأنَّ للآية مفهوماً واسعاً يشمل كلّ الحكومات وكلّ عزّة وذلّة ، وما قالوه فهو من مصاديقها الواضحة ، والجملة الأخيرة : (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ) هي في الواقع بمثابة الدليل على هذه المالكية الإلهيّة العامّة والمطلقة.
وواضح أنّ المشيئة والإرادة الإلهيّة التي استند إليها في هذه الآيات لا تعني أنّ الله يعزّ أو يذلّ أو يعطي الحكومة ويسلبها بدون حساب ، بل إنّه وضع في عالم الأسباب مجموعة من عوامل النصر والهزيمة وهي مظاهر مشيئته وإرادته.
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٤٢٧ ؛ وتفسير الكبير ، ج ٨ ، ص ٤.
(٢) قال بعض اللغويين : الخير والإختيار لهما مادّة واحدة ، والحسنات خير لأنّ كلّ إنسان يختارها (التحقيق ، المفردات ، تفسير الميزان في ذيل آية البحث).