توضيحه : إنّ الله حكيم ، والإله الحكيم له آثار الهداية والفيض حتماً ، في عالم التكوين والخلق وفي عالم التشرع والدين ، فكيف يمكن أن يوجد إله آخر ولا نرى آثار صنعه في ساحة الوجود ولا نشاهد علامة من رسله؟ وهذا لا ينسجم مع حكمته أبداً لأنّ في ذلك حرمان البشر من معرفته وعظمته وقدرته.
ثمّ إنّ دعوة الأنبياء المرسلين من قبل الله جميعاً لا تنسجم مع فرض وجود إلهين ، فهل يعقل أن يطرح الإله الذي يرسل الأنبياء قضيّة غير صحيحة ويدعو إلى التوحيد كذباً؟! فهذا لا ينسجم مع حكمته أيضاً.
ولا ينحصر طريق إثبات وحدانية الله في هذا الدليل فقط لوجود أدلّة اخرى أشرنا إليها سابقاً ، أمّا إجماع الأنبياء عليهمالسلام واتّفاقهم على الدعوة إلى الله الواحد فهو يُعدّ دليلاً مستقلاً.
* * *
٢ ـ برهان التركّب
ذكر الفلاسفة وعلماء الكلام دليلاً خامساً على إثبات وحدانية ذات الله المقدّسة ولم نعثر على آية قرآنية تصرّح بذلك ، ولذا نورده على شكل إيضاح في ختام هذا البحث وخلاصته :
لو كان لله مثيلٌ فهما متشابهان من حيث الوجود ولكنَّ إثنينيتهما توجب أن تكون لكلّ واحد منهما خصوصيات ، وبهذا يكون كلّ واحد مركّباً من جزأين ، (ما به الاشتراك) و (ما به الإمتياز) وحينئذ لابدّ أن نذعن بأنّ كلّ واحد منهما محتاج إلى أجزائه ، لأنّ المركّب لا يكون بدون اجزائه ، ولو كان محتاجاً فإنّه لا يكون واجب الوجود ، لأنّ واجب الوجود والمُبدىء الأوّل للكون غني عن كلّ شيء.
فهو إذن لا مثيل له كما أنّه لا اجزاء له ، ولو كان له مثيلٌ فإنّه سيكون ذا اجزاء قطعاً ، فهو إذن وجود بسيط من كلّ جهة ولا شريك ولا مثل له من كلّ جهة.
* * *