وثانيا ان البراءة أيضا وظيفة جعلت للشاك قلنا ان نعكس الأمر ونقول البراءة حاكمة أو واردة على الاحتياط لأنه يكون في صورة عدم كون الوظيفة بالنسبة إلى الواقع هي البراءة ومعه لا وجه لهذا القول إلّا ان يقال بأن الوظيفة في الشبهة التحريمية الاحتياط وفي الشبهة الوجوبية البراءة حتى يكون لكل وجه كما يقول به بعض الأخباريين ولا وجه له كما سيجيء.
هذا كله إذا كان وجوب الاحتياط طريقيا واما إذا كان نفسيا أيضا فلا يكون وجه لوروده على البراءة لأن لازمه هو أن يقال بأن في نفس الاحتياط مع قطع النّظر عن الواقع مصلحة فنقول في البراءة أيضا مصلحة نفسية وهي مصلحة التسهيل فتعارض مع مصلحة الاحتياط ولا وجه لتقديمها عليها.
ولا وجه للقول بأن الاحتياط واقع ثانوي فيكون الواقع معلوما فلا تصل النوبة إلى البراءة لأنه خلاف الظاهر كما مرّ لأن المراد بعدم العلم هو عدم العلم بالواقع الأولى على ان البراءة أيضا واقع ثانوي نعلمه فتعارض مع الاحتياط فدلالة الحديث على البراءة واضحة تامة.
ومنها قوله عليهالسلام كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى (١). وتقريب الاستدلال بتناسب الحكم والموضوع هو ان كل شيء لم يصل من الشارع نهى بالنسبة إليه يكون مباحا سواء كانت الإباحة الاقتضائية أو اللااقتضائية وسواء كانت الشبهة موضوعية أو حكمية فان المراد بالإطلاق هو الإباحة والمراد بورود النهي وصوله لا أصل صدوره كما ظن الخراسانيّ قده.
والإشكال عليها بما مر من أن الاحتياط يكون هو النهي الظاهري وهو وارد وواصل إلينا من الشرع بقول الاحتياطي ولا يكون المراد هو النهي الواقعي.
مندفع بأنه لو كان الأمر كذلك نقول البراءة رخص وأصل من الشرع فلا يكون مورد للاحتياط بعد وصول الرخص فضلا عن عدم العلم بالرخص أو عدمه.
__________________
(١) في الوسائل ج ١٨ في باب ١٢ من أبواب صفات القاضي ح ٦٠.