ان علّيّة الحادثة الاولى للحادثة الثانية (١) (التي ثبتت بالتجربة عن طريق اقتران الثانية بالاولى في عدد كبير من المرّات) مستنتجة من مجموع مقدّمتين :
إحداهما : بمثابة الصغرى ، وهي اقتران الحادثة الثانية بالاولى في عدد كبير من المرّات.
والاخرى : بمثابة الكبرى وهي ان الاتفاق لا يكون دائميا ، بمعنى أنه يمتنع ان يكون هذا الاقتران في كل هذه المرّات صدفة ، لان الصدفة لا تتكرّر لهذه الدرجة. وهذه الكبرى يعتبرها المنطق قضيّة عقليّة أوّليّة ولا يمكن في رأيه ان تكون ثابتة بالتجربة ، لانها تشكّل الكبرى لاثبات كل قضية تجريبيّة ، فكيف يعقل ان تكون هي بنفسها قضيّة تجريبية (٢).
واذا دقّقنا النظر وجدنا ان الكبرى التي تعتمد عليها القضيّة المتواترة مردّها الى نفس الكبرى التي تعتمد عليها القضية التجريبية ، لان كذب المخبر يعني افتراض مصلحة شخصية معيّنة دعته الى اخفاء الواقع ، وكذب العدد الكبير من المخبرين معناه افتراض ان مصلحة المخبر الاوّل في الاخفاء اقترنت صدفة بمصلحة المخبر الثاني في الاخفاء ، والمصلحتان معا اقترنتا صدفة بمصلحة المخبر الثالث في الشيء نفسه
__________________
(١) كمن يعرّض نفسه للهواء البارد بعد كونه دافئا فانه يلاحظ في كل مرّة انه يصاب بالرشح.
(٢) ولذلك جعل القضايا التجريبية من البديهيات والقضايا اليقينية الستّة ، فقالوا ان «الاتفاق لا يكون دائميا ، وانما هو معلول لعلّة منظورة او غير منظورة» قضيّة عقلية يقينية بديهية.