والحاصل : أنّا نمنع كون تحقق العلم نفسه على نحوين وكيفيّتين ، بل تقسيم العلم إلى الإجمالي والتفصيلي باعتبار المتعلّق ، فإن كان مشخصا يسمى تفصيليا وإن كان مرددا يسمى إجماليا ، وليس لنا في العلم الإجمالي معلومان يترتب على كل منهما أثر العلم.
وأمّا ثانيا : فلأنّه لو كان مثل هذا العلم الإجمالي سببا لدخول المشتبه في حكم الغاية لا المغيّى لزم عدم إجراء البراءة في الشبهة البدوية الموضوعية ، وينحصر مورد أخبار البراءة في الشبهة الحكمية لجريان نظير ما نحن فيه هناك أيضا ، مثلا لو شكّ في كون هذا المائع خمرا فيقال : نعلم أنّ الخمر حرام ويحتمل انطباقه على هذا المائع ، كما يقال فيما نحن فيه : نعلم أنّ أحدهما حرام ويحتمل كونه هذا أو ذاك (١).
وأما ثالثا : فلأنّ المصنف في آخر رسالة الاستصحاب في تعارض الاستصحابين بسبب العلم الإجمالي بمخالفة أحدهما للواقع قد فرّق بين ما لو كان العلم الإجمالي مثبتا لتكليف إلزامي فحكم بتساقط الأصلين ، وبين ما لم يكن مثبتا للتكليف أو كان أحد طرفيه خارجا عن محل الابتلاء فلا مانع من إجراء الأصل ، وحينئذ نقول : لو كان المعلوم بالإجمال داخلا في الغاية خارجا عن حكم المغيّى لا يفرّق فيه بين الأقسام الثلاثة ، إذ هي مشتركة في حصول العلم الإجمالي الذي جعلته غاية ، بل يشمل العلم الإجمالي بالنسبة إلى المكلّف المتعدّد كما في واجدي المني أيضا ، فيلزم ألا يحكم بالأصل في شيء منها.
فقد تحقّق مما ذكرنا جواز المخالفة القطعية للمعلوم بالإجمال بمقتضى
__________________
(١) أقول : اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ فيما نحن فيه نعلم الموضوع أيضا إجمالا ، وفي الشبهة البدوية لا نعلم الموضوع أصلا ، وبهذا الفرق يندفع النقض.