أحدهما : ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين وتعليم بل إذا خلى وطبعه واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب والتلحين فذلك جائز وإن أعان طبيعته فضل تزيين وتحسين ... فهذا هو الّذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه وهو التغنى الممدوح المحمود وهو الّذي يتأثر به السامع والتالى وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.
الوجه الثانى : ما كان من ذلك صناعة من الصنائع وليس فى الطبع السماحة به بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن كما يتعلم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة والمركبة على إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة لا تحصل إلا بالتعليم والتكلف فهذه هى التى كرهها السلف وعابوها وذموها ومنعوا القراءة بها وأنكروا على من قرأ بها وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه وبهذا التفصيل يزول الاشتباه ويتبين الصواب من غيره ، وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعا أنهم براء من القراءة بالألحان الموسيقية المتكلفة التى هى إيقاع وحركات موزونة ومحدودة وأنهم اتقى لله من أن يقرءوا بها أو يسوغوها (١) ...
__________________
(١) زاد المعاد : ١ / ١٣٧ ـ ١٣٨. وانظر : نزهة الأسماع لابن رجب ص : ٧٠.