من غير قصد للقسم ، وأن النهى إنما ورد فى حق من قصد حقيقة الحلف وأنى يوجد ذلك؟.
الثالث : أن مثل هذا يقصد به التأكيد لا التعظيم إنما وقع النهى عما يقصد به التعظيم.
قلت : وهذا أفسد من الّذي قبله ، وكأن من قال ذلك لم يتصور ما قال ، فهل يراد بالحلف إلا تأكيد المحلوف عليه بذكر من يعظمه الحالف والمحلوف له؟.
فتأكيد المحلوف عليه بذكر المحلوف به مستلزم لتعظيمه.
وأيضا فالأحاديث مطلقة ليس فيها تفريق ، وأيضا فهذا يحتاج إلى نقل أن ذلك جائز للتأكيد دون التعظيم وذلك معلوم.
الرابع : أن هذا كان فى أول الأمر ثم نسخ ، فما جاء من الأحاديث فيه ذكر شيء من الحلف بغير الله فهو قبل النسخ ثم نسخ ذلك ونهى عن الحلف بغير الله. وهذا الجواب ذكره الماوردى. قال السهيلى : أكثر الشراح عليه ، حتى قال ابن العربى : روى أنه صلىاللهعليهوسلم كان يحلف بأبيه حتى نهى عن ذلك. قال السهيلى : ولا يصح ذلك ، وكذلك قال غيرهم.
وهذا الجواب هو الحق ، يؤيده أن ذلك كان مستعملا سائغا حتى ورد النهى عن ذلك كما فى حديث ابن عمر أن النبي صلىاللهعليهوسلم أدرك عمر ـ ذكر الحديث ـ وعنه أيضا قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله» وكانت قريش تحلف بآبائها فقال : «ولا تحلفوا بآبائكم» رواه مسلم (١). وعن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه قال : حلفت مرة باللات والعزى ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ثم انفث عن يسارك ثلاثا وتعوذ ولا تعد». رواه النسائى (٢)
__________________
(١) فى الصحيح ٣ / ١٢٦٧.
(٢) سنن النسائى ٧ / ٧ ـ ٨.